للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانوا على حالة أعلى من هذه الغاية، ومنزلة أرفع من هذه المنزلة، وهي أن يكونوا كالفرد الكامل منهم والرجل كل الرجل في جماعتهم، وهو من ملئ قلبه من التقوى حتى صار أتقى الثقلين الإنس والجن بعد اجتماع أولهم وآخرهم، ولا يخفاك أن أتقى الثقلين عن اجتماعهم المعروض الشامل لأولهم وآخرهم هم الأنبياء عليهم السلام، وأتقى الأنبياء هو سيد ولد آدم الأنبياء وغيرهم، وهو نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فانظر هذه المبالغة البليغة والكلام الفائق.

وقوله: " واحد " للتأكيد كما يقتضيه مقام المبالغة مثل قوله سبحانه: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} ومثل قوله: {دَكَّةً وَاحِدَةً} (١) ومثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " لأولى رجل ذكر " (٢).

ثم لما فرغ سبحانه من المبالغة في جانب دفع النفع، ذكر المبالغة في جانب دفع الضرر فقال: " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ".

وفيه مثل ما تقدم من المبالغة البليغة والكلام الجاري على أكمل نظام وأتم أسلوب.

وهذا القلب الذي هو أفجر قلوب الثقلين عند الاجتماع المفروض، قد يكون قلب إبليس أو أحد مردة الجن، وقد يكون قلب بعض جبابرة الإنس كفرعون والنمرود ولا يعلم ذلك إلا علام الغيوب.

والمقصود من هذا أن عبادة العابدين، وتقوى المتقين، وزهد الزاهدين، إنما ينتفع بها فاعلها فقط، ومعصية العاصين، وتهتك المتهتكين، وكفر الكافرين، ونفاق المنافقين، إنما تضر فاعلها، وليس إلى الله عز وجل ولا عليه تبارك وتعالى من ذلك شيء.

فإن قلت: قد ثبت في ....................................


(١) [الحاقة:١٤].
(٢) أخرجه البخاري رقم (٦٧٣٢) ومسلم رقم (١٦١٥) وقد تقدم.