للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البخاري (١) وغيره (٢) ما لفظه: " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصوم لي وأنا أجزي به " فهذا قد أفاد أنه لما ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل ربه عز وجل، كان الصوم له أي: لأجله من غير نفع له في ذلك، بل كان النفع للصائم لما ترك طعامه وشرابه وشهوته لأجل ربه، لأن ذلك هو الإخلاص الذي أمر الله به عباده بقوله: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (٣).

فليس بين هذا الحديث القدسي الذي نحن بصدد شرحه، وبين الحديث القدسي الذي في الصيام تعارض، فافهم هذا.

فإن قلت: قد ثبت في صحيح مسلم (٤) من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " ليس أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله تعالى، من أجل ذلك حرم الفواحش، وليس أحد أحب إليه العذر من الله تعالى، من أجل ذلك أنزل الكتاب وبعث الرسل ".

قلت: لا تلازم بين كون الشيء محبوبا وكون لمن حصلت له محبة له نفع فيه! فقد يحب الإنسان صفات الخير، وإن كان لا نفع له فيها، ولا ضرر عليه في تركها، كما يجده كل عاقل عند ظهور الخصال المحمودة المطابقة لمنهج الشرع كالعدل، وظهور السنن وارتفاع البدع، وإنما أحب ذلك سبحانه لأن مدحه من عباده هو الشكر له على ما أفاضه عليهم من النعم، وذلك من أعظم ما يتقربون به إليه، ويتوسلون به إلى مرضاته، فيحصل لهم بذلك الفوز بالنعيم الأبدي، والخير الأخروي، ولهذا طلب سبحانه منهم


(١) في صحيحه رقم (١٨٩٤).
(٢) كمسلم رقم (١١٥١).
(٣) [البينة:٥].
(٤) في صحيحه رقم (٣٢/ ٢٧٦٠).
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤٦٣٤) وأحمد (١/ ٣٨١).