للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضلال إلى أنوار الهداية، وأمر بأن يطلبوا منه الهداية ليظفروا بها بخير الآخرة، ويفوزوا بالنعيم المقيم.

ثم ذكر لهما ثالثًا: أن ما يحتاجون إليه في هذه الدار مما تدعو الضرورة إليه ولا يتم المعاش إلا به، وهو قوام الأنفس من الطعام ووقاية الأبدان من ضرر ما لا بد منه البر وستر العورات، وهو من فضله العميم وجوده الواسع، وأمرهم أن يطلبوا ذلك منه ليتفضل به عليهم ويعطيهم طلبتهم، ويسعفهم بقضاء حاجتهم.

ثم ذكر لهم: ما جلبوا عليه من كثرة الخطايا في غالب أوقاتهم، وندبهم إلى ما يمحو ذلك عنهم، ويزيل أثره، وهو الاستغفار، ووعدهم أنه سيغفر لهم ويتجاوز عنهم، ثم ذكر لهم: أنه فعل ما فعل لهم وتفضل بما تفضل به عليهم من غير أن يكون له منهم فائدة أو عليه مضرة، وأنه إنما أعطاهم ما أعطى ومنحهم ما منح لمجرد الفضل العميم والكرم الجسيم.

ثم أخبرهم: بأن عطاه الجم وتفضله العم لا ينقص بكثرة العطايا، وإن يلعب أبلغ المبالغ ووصلت إلى حد يقصر عنه الوصف، ويضيق الذهن عن تصوره، وتقصر العقول عن إدراكه.

ثم بعد هذا كله: أخبرهم بأن ما وجدوه من الخير فهو من إنعامه عليهم لا من كسبهم ولا من سعيهم، ثم أمرهم: بالحمد له سبحانه عليهم، وما وجدوه من غير الخير فهو عقوبة أعمالهم وجزاء ضلالهم، فليعودوا باللوم على أنفسهم في الجالبة لذلك عليهم (وعلى نفسها براقش تجني) (١)، ولولا رحمته التي وسعت كل شيء، ومغفرته للمستغفرين، وتوبته على التائبين، لكانوا أحقاء بما كان لأعمالهم جزاء وفاقا، ولكسب أيديهم مثلا طباقا، وسبحان من كتب على نفسه الرحمة، ومن سبقت رحمته غضبه، وما في هذا الحديث القدسي هو مثل ما في الكتاب العزيز من قوله عز وجل: {مَا


(١) تقدم شرح المثل.