للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهداية (١)،والمعنى أنه سبحانه سجل على جميع عباده بالضلال فكان لهذا من الموقع في


(١) قال ابن تيمية في شرحه للحديث: فلما ذكر في أول الحديث ما أوجبه من العدل وحرمه من الظلم على نفسه وعلى عباده ذكر بعد ذلك إحسانه إلى عباده مع غناه عنهم وفقرهم إليه، وأنهم لا يقدرون على جلب منفعة لأنفسهم ولا دفع مضرة إلا أن يكون هو الميسر لذلك، وأمر العباد أن يسألوه ذلك وأخبر أنهم لا يقدرون على نفعه ولا ضره مع عظم ما يوصل إليهم من النعماء ويدفع عنهم من البلاء، وجلب المنفعة ودفع المضرة إما أن يكون في الدين أو الدنيا.
فصارت أربعة أقسام:
الهداية والمغفرة: وهما جلب المنفعة ودفع المضرة في الدين والطعام والكسوة، وهما جلب المنفعة ودفع المضرة في الدنيا.
وإن شئت قلت: الهداية والمغفرة يتعلقان بالقلب الذي هو ملك البدن وهو الأصل في الأعمال الإرادية، والطعام والكسوة يتعلقان بالبدن الطعام لجلب المنفعة واللباس لدفع المضرة، وفتح الأمر بالهداية فإنها وإن كانت الهداية النافعة هي المتعلقة بالدين فكل أعمال الناس تابعة لهدي الله إياهم، كما قال سبحانه: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: ١ - ٣].
وقال موسى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:٥٠].
وقال تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد:١٠].
وقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان:٣].
ولهذا قيل الهدى أربعة أقسام:
١ - الهداية إلى مصالح الدنيا فهذا مشترك بين الحيوان الناطق والأعجم وبين المؤمن والكافر.
٢ - الهدى بمعنى دعاء الخلق إلى ما ينفعهم وأمرهم بذلك، وهو نصب الأدلة وإرسال الرسل. وإنزال الكتب، فهذا أيضًا يشترك فيه جميع المكلفين سواء آمنوا أو كفروا، كما قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) [فصلت:١٧].
وقال تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) [الرعد:٧].
وقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى:٥٢]. فهذا مع قوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص:٥٦]، يبين أن الهدى الذي أثبته هو البيان والدعاء والأمر والنهي والتعليم وما يتبع ذلك ليس هو الهدى الذي نفاه وهو القسم الثالث الذي لا يقدر عليه إلا الله.
٣ - الهدى الذي هو جعل الهدى في القلوب وهو الذي يسميه بعضهم بالإلهام، والإرشاد وبعضهم يقول: هو خلق القدرة على الإيمان كالتوفيق عندهم ونحو ذلك وهو بناء على أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل فمن قال ذلك من أهل الإثبات جعل التوفيق والهدى ونحو ذلك خلق القدرة على الطاعة، وأما من قال إنهما استطاعتان:
إحداهما: قبل العقل وهي الاستطاعة المشروطة في التكليف كما في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران:٩٧] ..
والثانية: المقارنة للعقل وهي الموجبة له وهي المنفية عمن لم يفعل في مثل قوله: (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) [هود:٢٠].
٤ - الهدى في الآخرة، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) [الحج:٢٣ - ٢٤].