للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتجاوز العفو الغفور.

وفي هذه المفاصلة الفاضلة بشارات:

١ - منها أن عافيته سبحانه تعصم من عافاه من عباده عن الذنوب.

٢ - ومنها أنه يغفر للمستغفرين.

٣ - ومنها أنه يغفر لمن علم أنه ذو قدرة على مغفرة الذنوب.

فانظر هذه الرحمة الواسعة والفضل الجم والكرم الفياض، وتصوره في الأحوال -ولله المثل الأعلى- لو رأيت بعض ملوك الدنيا وقد أشرف على عبيد له، يقول لهم هذه المقالة، لما وجدت عبارة تفي بوصف ما جبل عليه من الرأفة والرحمة والعلم، مع أنه مخلوق مثلهم، ومحتاج لما يحتاجون إليه من خالقه ورازقه وخالقهم ورازقهم، فكيف إذا كان القائل لهذه المقالة هو خالق السموات والأرض وما فيها، وخالق كل المخلوقات، ورازق جميع من يحتاج إلى الرزق من جميع خلقه، فإنك تجد ذهنك قد ضاف عن تصور بعض البعض من هذه الرحمة الواسعة والحلم العظيم والكرم العميم.

سبحانك ما أعظم شأنك، سبحانك ما أعز سلطانك، سبحانك ما أجل إحسانك، سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأقول (١)

لو كأن لي كل لسان لما ... وفيت بالشكر لبعض النعم

فكيف لا أعجز عن شكرها ... وليس لي غير لسان وفم (٢)

قوله:" وكلكم ضال إلا من هديته، فاسألوني الهدى أهدكم".

في هذه الرواية زيادة تصريح على ما في الرواية الأولى لأنه قال هنا:" فاسألوني الهدى أهدكم"، وفيما سبق قال:" فاستهدوني أهدكم"، ومعنى استهدوني: اطلبوا مني


(١) أي الشوكاني رحمه الله
(٢) انظر "ديوان الشوكاني" (ص ٣٢٨). ثم قال:
هذا هو الإفضال هذا العطا الـ ... فياض هذا الجود هذا الكرم