للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول له كن فيكون فالمراد بالشيء: هو المعلوم له عز وجل قبل إبداعه، وقبل توجيه هذا الخطاب إليه، وليس المراد بالشيء هو الموجود في الخارج، فإن ذلك يستلزم تحصيل الحاصل، وهو محال.

فالحاصل أن هذا من خطاب التكوين: وهو الذي يكون به عز وجل المخاطب ويخلقه به بدون طلب فعل من المخاطب ولا قدرة للمخاطب ولا إرادة ولا وجود، بخلاف خطاب التكليف (١) فإنه: الذي يطلب به من المأمور فعلا أو تركا يفعله بقدرته وإرادته، وإن كان ذلك جميعه بحول الله وقوته، وقد اختلف الناس في:" خطاب التكليف هل يصح أن يخاطب به المعدوم أم لا؟ " والبحث مستوفى في الأصول (٢).


(١) قال ابن تيمية: إن الإرادة نوعان إرادة الخلق وإرادة الأمر، فإرداة الأمر أن يريد من المأثور فعل ما أمر به، وإرادة الخلق أن يريد هو خلق ما يحدثه من أفعال العباد وغيرها. والأمر مستلزم للإرادة الأولى دون الثانية. والله تعالى أمر الكافر بما أراده منه بهذا الاعتبار. فإنه لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد وإرادة الخلق هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد، فهذه الإرادة لا تتعلق إلا بالموجود، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ... ".
"منهاج السنة النبوية" (١/ ٣٨٨)، (٢/ ٢٩٦)، "إرشاد الفحول" (ص٧٤).
(٢) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص ٧٧): وقع الخلاف بين الأشعرية والمعتزلة هل المعدوم مكلف أم لا؟. فذهب الأولون إلى الأول، والآخرون، إلى الآخر، وليس مراد بتكليف المعدوم أن الفعل أو الفهم مطلوبان منه حال عدمه فإن بطلان هذا معلوم بالضرورة فلا يرد عليهم ما أورده الآخرون من أنه إذا امتنع تكليف النائم والغافل امتنع تكليف المعدوم بطريق الأول، بل مرادهم التعلق العقلي أي توجه الحكم في الأزل إلى من علم الله وجوده مستجمعا شرائط التكليف واحتجوا بأنه لو لم يتعلق التكليف بالمعدوم لم يكن التكليف أزليا لأن توقفه على الوجود الحادث يستلزم كونه حادثا واللازم باطل؛ فالملزوم مثله لأنه أزلي لحصوله بالأمر والنهي وهما كلام الله وهو أزلي، وهذا البحث يتوقف على مسألة الخلاف في كلام الله سبحانه، وهي مقررة في علم الكلام.
واحتج الآخرون بأنه لو كان المعدوم يتعلق به الخطاب لزم أن يكون الأمر والنهي والخبر والنداء والاستخبار من غير متعلق موجود وهو محال، ورد بعدم تسليم كونه محالا بل هو محل النزاع.
قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" بعد ذلك (ص٧٨): وتطويل الكلام في هذا البحث قليل الجدوى بل مسألة الخلاف في كلام الله سبحانه وإن طالت ذيولها وتفرق الناس فيها فرقا وامتحن بها من امتحن من أهل العلم وظن من ظن أنها من أعظم مسائل أصول الدين ليس لها كثير فائدة، بل هي من فضول العلم. ولهذا صان الله سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم عن التكلم فيها.