للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنها ستقوم عليهم بذلك الحجة فحذفوا هذا اللفظ لهذه العلة (١).

وقد حكى الله - سبحانه- في القرآن العظيم أن المسيح بشر بنبينا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:} وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ {(٢).

وفي الإنجيل أيضًا الذي جمعه يوحنا أن المسيح قال: "أركون العالم سيأتي، وليس لي شيء" (٣). وهذا اللفظ فيه أعظم بشارة بنبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فإن الأركون في لغة النصارى العظيم القدر، ولم يأت بعد المسيح من هو هذه الصفة إلا نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه جعله أركون العالم، وقال عن نفسه: ليس له من الأمر (٤) شيء، فدل هذا على أنه سيأتي بعده عظيم من عظماء العالم يكون منه الإصدار والإيراد، والحل والعقد في الدين، وإثبات الشرائع، وأن المسيح بالنسبة إليه كمن ليس له شيء.

وهذا إنما يكون تبشيرا بمن هو أعظم من المبشر به [١٩]، أعني المسيح -عليه السلام- ولا يصح حمله على رجل عظيم القدر في الدنيا، أو في الملك، أو غير ذلك؛ لأن الأنبياء لا يبشرون بمن هو كذلك، ويجعلونه أركون العالم، ويجعلون الأمر إليه، وينفون الأمر عن أنفسهم، فإن هذا لا يكون أبدا من الأنبياء، ولا يصح نسبته إليهم، ولا صدوره منهم قط، بلا خوف بين أهل الملل.

ولا يمكن أن يدعي مدع أنه جاء بعد المسيح من هو هذه الصفة غير نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فإن الحواريين إنما دانوا بدينه، ودعوا الناس إلى شريعته، ولم يستقل أحد منهم بشيء من جهة نفسه قط. ومن جاء بعدهم من أتباع المسيح فهو دونهم بمراحل.


(١) [انظر التعليقة السابقة].
(٢) [الصف: ٦].
(٣) ورد النص في إنجيل يوحنا (١٤/ ٣٠) "لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء".
(٤) قال ابن قيم الجوزية في "هداية الحيارى " (ص ٦٥): تضمنت هذه البشارة أصلي الدين: إثبات التوحيد، وإثبات النبوة. . . ".