للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلك الحال لم يكن قد ظهر منه يدل على خلوص إسلامه، واستقامة طريقه، وإنما ظهر منه ذلك بعد موته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فهذا التقرير بالسكوت الكائن على هذه الصفة في مثل هذه الحالة بعد ثبوت تحريم الغيبة في القرآن الكريم [٤أ]، وفي السنة المطهرة، وعلم الصحابة به وإجماعهم عليه- لا ينبغي التمسك بمثله، ولا يحل القول بصلاحيته للتخصيص؛ لأن السامعين من المسلمين في تلك الحالة قد علموا تحريم الغيبة، وتقرر عندهم حكمها، فلو لم يكن السكوت إلا لكون حكم الغيبة قد صار معلوما واضحا مشتهرا عندهم، لكان ذلك بمجرده قادحا في الاستدلال به، وتخصيص الأدلة القطعية بمثله، وهذا على تقدير أن أبا سفيان لم يكن حاضرا في ذلك الموقف، فإن كان حاضرا- كما قيل- اندفع التعلق بسكوته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من الأصل، ومع هذا فلا ضرورة ملجئة للمستفتي إلى التعيين، حتى يقال: إنه لا يتم مطلوبة من الاستفتاء إلا بالتعين؛ فإنه يحصل مطلوبة بالإجمال؛ لأن المقصود استفادة الحكم الشرعي، و [هي] (١) حاصلة بمعرفة ما يقوله المفتي مع الإجمال كما يحصل معرفته [٤] بما يقوله مع التفصيل والتعيين، وهذا مما لا شك فيه ولا شبهة.

وبهذا تعرف أن هذه الصورة ليست من صور تخصيص تحريم الغيبة (٢)؛ لعدم انتهاض دليلها، يعرف ذلك كل عارف بكيفية الاستدلال.

[الصورة الرابعة: جواز الغيبة لتحذير المسلمين من الشر].

وأما الصورة الرابعة: وقد جعلها النووي (٣) -رحمه الله- في كلامه السابق على أقسام خمسة:

القسم الأول: الجرح والتعديل للرواة والمصنفين والشهود: واستدل على جواز ذلك


(١) في (ب) وهو.
(٢) انظر "روح المعاني" للألوسي (٢٦/ ١٦١)،"فتح الباري" (٩/ ٥٠٩).
(٣) في شرحه لصحيح مسلم (١٦/ ١٤٣).