للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصورة الأولى رجحت أدلة الغيبة؛ لما تقرر من أن العمومين الواردين على هذه الصورة إن رجح أحدهما على الآخر باعتبار ذاته، وجب المصير إليه، وإن لم يرجح باعتبار ذاته وأمكن الترجيح باعتبار أمر خارج؛ وجب الرجوع إليه.

وقد وجد المرجح هنالك باعتبار الأمر الخارجي، وهو أدلة السنة والإجماع؛ فإنها أوجبت ترجيح أدلة تحريم الغيبة في تلك الصورة التي وقع فيها التعارض، على جواز الجهر بالسوء للمظلوم على طريقة [الاغتياب] (١)، وهاهنا كان الترجيح في صورة التعارض بكون أحد الدليلين ثابتا بالضرورة الدينية دون الآخر، ولهذا قدمنا لك [ما قدمنا] (٢) في فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعرفناك أنه لا شيء من الأمور الدينية يقوم مقامهما، ولا يغني غناهما.

[الصورة الثالثة: جواز الغيبة للمستفتي].

وأما الصورة الثالثة: وهي جواز الغيبة للمستفتي:

فأقول: لا يخفاك أن أدلة تحريم الغيبة ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع كما قدمنا، فصار تحريمهما من هذه الحيثية من قطعيات الشريعة، وليس في تسويغها للمستفتي إلا سكوته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عن الإنكار على هند لما قالت له:" إن أبا سفيان رجح شحيح" (٣)، وهذا السكوت الواقع منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عند سماع الغيبة من امرأة [حديثة] (٤) عهد بجاهلية لرجل حديث عهد بجاهلية، مع كونه في


(١) في (ب) الاعتبار
(٢) زيادة من (أ).
(٣) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.
قال الحافظ في "الفتح" (٩/ ٥٠٩) واستدل بهذا الحديث على جواز ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة.
(٤) في (ب) حديث.