له جهد- حاجة، لأن وازع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إذا كان موجودا في عباد الله، فلا يحتاجون إلى تعيين فاعل المنكر، وبيان أنه فلان ابن فلان، وإن لم يكن فيهم ذلك الوازع الديني، والغيرة الإسلامية؛ فهم لا ينشطون إلى إجابته بمجرد التسمية والتعيين، إذ لا فرق في مثل هذا بين الإجمال والتعيين، اللهم إلا أن يكون سيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كليلا. وعضده ضعيفا عليلا ضئيلا، فإنهم قد ينظرون مع التسمية والتعيين في فاعل المنكر؛ فإن كان قويا جليلا [تركوه](١)، وإن كان ضعيفا حقيرا قاموا إليه وغيروا ما هو عليه. وهذا هو غربة الدين العظيمة، ولكن في الشر خيار وبعضه أهون من بعض.
فإذا كانوا بمنزلة من ضعف العزيمة، بحيث لا يقدرون إلا على الإنكار على المستضعفين المستذلين؛ فذلك فرضهم، وليس عليهم سواه [٣ب]. وحينئذ لا بأس بالتعيين، والغيبة التي هي غاية ما يقدر عليه المستضعفون، ونهاية ما يتمكن منه العاجزون والله ناصر دينه، ولو بعد حين.
وجواز هذه الغيبة في مثل هذا المقام، هو بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الثابتة بالضرورة الدينية، التي لا يقوم بجنبها دليل لا صحيح ولا عليل.
[الجمع بين أدلة المسألة]:
فإن قلت: هاهنا دليلان بينهما عموم وخصوص من وجه، هما أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأدلة تحريم الغيبة، فكيف لم تعمل هاهنا كما عملت في الصورة الأولى؟.
قلت: قد عملت هاهنا كما عملت في الصورة الأولى، فرجحت العمل بالراجح، كما رجحت في الصورة الأولى العلم الراجح، وإن اختلف موضعا الترجيح، ففي