للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: وهذا القسم أيضًا كالأقسام التي قبله، لا يصح جعله من الصور المستثناة من تحريم الغيبة؛ لأنه إذا قال له: لا تستعمل هذا، أو لا أرى لك الركون عليه، فقد فعل ما أوجبه الله عليه من النصيحة، والزيادة على هذا المقدار فضول، ليس لله فيه حاجة، ولا للمنصوح، ولا للناصح [٥ب].

[الصورة الخامسة: ذكر المجاهر بالفسق]:

وأما الصورة الخامسة: وهي ذكر المجاهر بالفسق بما جاهر به.

فأقول: إن كان المقصود بجواز ذكره بما جاهر به هو التحذير للناس، فقد دخل ذلك في الصورة الرابعة، وقد أوضحنا ما فيها فلا نعيده، ومع هذا فحصول المطلوب من التحذير يمكن بدون ذكر ما جاهر به، بأن يقول لمن ينصحه: لا تعاشر فلانا، أو: لا تداخله، أو: لا تذهب إليه؛ فإن هذا الناصح المشير يقوم بواجب النصيحة بهذا المقدار، من دون أن يذكر نفس المعصية التي صار العاصي يجاهر بها، وما أقل فائدة التعرض لذلك وأخطره! فإنه لم يأت دليل يدل على جواز ذكره بما جاهر به، بل ذلك غيبة محضة.

وأما ما يروى من حديث: " اذكروا الفاسق بما فيه؛ كيما يحذره الناس " (١) فلم


(١) وهو حديث موضوع.
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (١/ ٢٠٢) وابن عدي في " الكامل " (٢/ ٥٩٥) و (٣/ ١١٣٧) (٥/ ١٧٨٤) و (٥/ ١٨٦٣) والبيهقي في " السنن الكبرى " (١٠/ ٢١٤ - ٢١٥) والخطيب في " تاريخ بغداد " (١/ ٣٨٢) و (٣/ ١٨٨) و (٧/ ٢٦٢) وغيرهم من طريق الجارود بن يزيد، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده مرفوعا.
قال العقيلي: ليس له من حديث بهز أصل، ولا من حديث غيره، ولا يتابع عليه من طريق يثبت.
وقال البيهقي: هذا يعرف بالجارود بن يزيد النيسابوري وأنكره عليه أهل العلم بالحديث، سمعت أبا عبد الله الحافظ الحاكم يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ غير مرة يقول: كان أبو بكر الجارودي إذا مر بقبر جده يقول: يا أبت لو لم تحدث بحديث بهز بن حكيم لزرتك.
قال ابن عدي والبيهقي: وقد سرق عنه جماعة من الضعفاء فرووه عن بهز بن حكيم، ولم يصح فيه شيء.
والخلاصة أن الحديث موضوع، والله أعلم.