(٢) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٢٧) ومسلم رقم (٢٣٧/ ١٥٠) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى رهطا - وسعد جالس - فترك رسول الله رجلا هو أعجبهم إلي، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا. فقال: " أو مسلما " فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: " أو مسلما " ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال: " يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار ". قال الحافظ في " الفتح " (١/ ٨٠ - ٨١): أرشده النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أمرين: ١ - إعلامه بالحكمة في إعطاء أولئك وحرمان (جعيل) مع كونه أحب إليه ممن أعطى؛ لأنه لو ترك إعطاء المؤلف لم يؤمن إرتداده فيكون من أهل النار. ٢ - إرشاده إلى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر، فوضع بهذا رد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سعد، وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه، بل كان الجوابين على طريق المشورة بالأولى والآخر عن طريق الاعتذار. وفي الحديث فوائد منها: (أ): التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام وترك القطع بالإيمان الكامل عن ما لم ينص عليه. (ب): جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم، وإن خفي ذلك وجهه على بعض الرعية. (جـ): مراجعة المشفوع إليه في الأمر إذ لم يؤد إلى مفسدة. (د): الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان، فقد جاء في رواية: " فقمت إليه فساررته ". (هـ): الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك إجابته. (و): أن لا عيب على الشافع إذا ردت شفاعته. (ز): استحباب ترك الإلحاح في السؤال. (ي): أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرة وأشباههم، وهذا مجمع عليه عند أهل السنة. وانظر: " شرح صحيح مسلم " للنووي (٢/ ١٨١).