للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلى تقدير أن هذا القول مما يصدق عليه اسم الغيبة، يكون وقوعه منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في حكم المخصص له من ذلك العموم (١)، لكن على هذه الصورة الإجمالية وبهذه الصفة الصادرة منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وأيضا فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يعلم ما لم نعلم، ويأتيه الوحي بما لم يأتنا، ويبين الله له ما لم يبين لنا، فلا يجوز لنا أن نقتدي به في قول صادر منه على هذه الصفة؛ لجهلنا بالحقائق، وعدم اطلاعنا على ما في باطن الأمر؛ ولهذا رد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - على من وصف رجلا في مقامه بأنه مؤمن، فقال: " أو مسلم هو " (٢).


(١) انظر التعليقة السابقة.
(٢) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٢٧) ومسلم رقم (٢٣٧/ ١٥٠) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى رهطا - وسعد جالس - فترك رسول الله رجلا هو أعجبهم إلي، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا. فقال: " أو مسلما " فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال: " أو مسلما " ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال: " يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار ".
قال الحافظ في " الفتح " (١/ ٨٠ - ٨١): أرشده النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أمرين:
١ - إعلامه بالحكمة في إعطاء أولئك وحرمان (جعيل) مع كونه أحب إليه ممن أعطى؛ لأنه لو ترك إعطاء المؤلف لم يؤمن إرتداده فيكون من أهل النار.
٢ - إرشاده إلى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر، فوضع بهذا رد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سعد، وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه، بل كان الجوابين على طريق المشورة بالأولى والآخر عن طريق الاعتذار. وفي الحديث فوائد منها:
(أ): التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام وترك القطع بالإيمان الكامل عن ما لم ينص عليه.
(ب): جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم، وإن خفي ذلك وجهه على بعض الرعية.
(جـ): مراجعة المشفوع إليه في الأمر إذ لم يؤد إلى مفسدة.
(د): الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان، فقد جاء في رواية: " فقمت إليه فساررته ".
(هـ): الاعتذار إلى الشافع إذا كانت المصلحة في ترك إجابته.
(و): أن لا عيب على الشافع إذا ردت شفاعته.
(ز): استحباب ترك الإلحاح في السؤال.
(ي): أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرة وأشباههم، وهذا مجمع عليه عند أهل السنة.
وانظر: " شرح صحيح مسلم " للنووي (٢/ ١٨١).