(٢) قال الحافظ في " الفتح " (١١/ ٥١): ثم نقل المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار؛ لكونه كان مريضا. قال: وفي ذلك نظر. قلت: كأنه لم يقف على مستند هذا القائل، وقد وقع في مسند عائشة عن أحمد في " المسند " (٦/ ١٤٣) من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئة مطولا، وفيه: " قال أبو سعيد: فلما طلع قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ". وسنده حسن، وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد في مشروعية القيام المتنازع فيه، وقد احتج به النووي في كتاب " القيام " (ص ٣٣ - ٣٦) ونقل عن البخاري ومسلم وأبي داود أنهم احتجوا به، ولفظ مسلم: لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثا أصح من هذا. وقد اعترض عليه الشيخ أبو عبد الله الحاج " في كتاب المدخل " فقال ما ملخصه: لو كان القيام المأمور به لسعد هو المتنازع فيه لما خص به الأنصار، فإن الأصل في أفعال العرب التعميم، ولو كان القيام لسعد على سبيل البر والإكرام لكان هو - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول من فعله وأمر به من حضر من أكابر الصحابة، فلما لم يأمر به ولا فعله ولا فعلوه دل ذلك على أن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع، وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات؛ ولأن عادة العرب أن القبيلة تخدم كبيرها؛ لذلك خص الأنصار بذلك دون المهاجرين، مع أن المراد بعض الأنصار لا كلهم وهم الأوس منهم؛ لأن سعد بن معاذ كان سيدهم دون الخزرج، وعلى تقدير تسليم أن القيام المأمور به حينئذ لم يكن للإعانة، فليس هو المتنازع فيه، بل لأنه غائب قدم والقيام للغائب إذا قدم مشروع، قال: ويحتمل أن يكون القيام المذكور إنما هو لتهنئته بما حصل له من تلك المنزلة الرفيعة من تحكيمه والرضا بما يحكم به، والقيام لأجل التهنئة مشروع أيضا، ثم نقل عن أبي الوليد بن رشد أن القيام يقع على أربعة أوجه: ١ - محظور: وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرا وتعاظما على القائمين إليه. ٢ - مكروه: وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولما فيه من التشبه بالجبابرة. ٣ - جائز: وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة. ٤ - مندوب: وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها، أو مصيبة فيعزيه بسببها. وقال التوربشتي في " شرح المصابيح ": معنى قوله: " قوموا إلى سيدكم " أي: إلى إعانته وإنزاله من دابته، ولو كان المراد التعظيم لقال: قوموا لسيدكم. وتعقبه الطيبي بأنه لا يلزم من كونه ليس للتعظيم أن لا يكون للإكرام، وما اعتل به من الفرق بين إلى واللام ضعيف؛ لأن (إلى) في هذا المقام أفخم من اللام، كأنه قيل: قوموا وامشوا إليه تلقيا وإكراما. وهذا مأخوذ من ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية، فإن قوله: " سيدكم " علة للقيام له، وذلك لكونه شريف القدر.