للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفهم كتاب الله وسنة رسوله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (١) على مقتضى لغة العرب فلا يتم له معرفة أصل معنى اللفظ إلا بمعرفة علم اللغة، ولا يتم له معرفة أصل أبنية الألفاظ العربية إلا بمعرفة علم الصرف، ولا يمكنه معرفة الحركات الإعرابية إلا بعلم النحو، ولا يمكنه معرفة دقائق العربية وأسرارها إلا بعلم المعاني والبيان، ولا معرفة قواعد اللغة الكلية إلا بعلم الأصول.

ولهذا كانت هذه العموم هي المقدمة في العلوم الاجتهادية، وإن خالف في [اعتبار] (٢) البعض منها في الاجتهاد بعض أهل العلم، فالحق اعتبار الجميع (٣)؛ لأن فهم لغة العرب على الوجه المطابق لما كانت عليه اللغة لا يتم [١ب] إلا بذلك، ولا ريب أن دقائق اللغة يستفاد من العلم بها العلم بدقائق الكتاب والسنة، والدقائق [٢] تستخرج منها الأحكام الشرعية كما تستخرج من الظواهر.

إذا تقرر لك هذا فاعلم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[إنما] (٤) قال لوفد بني عامر لما قالوا: أنت


(١) زيادة من (ب).
(٢) في (ب) اختيار.
(٣) تقدم ذكر ذلك مرارا.
انظر الرسالة رقم (٦٠)، (٦٤).
(٤) في (ب): أنه.
قال الخطابي في " معالم السنن " (٥/ ١٥٥): قوله: " السيد الله " يريد أن السؤدد حقيقة الله عز وجل، وأن الخلق كلهم عبيد له.
وإنما منعهم - فيما ترى - أن يدعوه سيدا مع قوله: " أنا سيد ولد آدم "، وقوله لبني قريظة: " قوموا إلى سيدكم " - يريد سعد بن معاذ، تقدم - من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام، وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كما هي بأسباب الدنيا، وكان لهم رؤساء يعظمونهم، وينقادون لأمرهم ويسمونهم السادات، فعلمهم الثناء عليه وأرشدهم إلى أدب ذلك، فقال: " قولوا بقولكم " يريد: قولوا بقول أهل دينكم وملتكم، وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله - عز وجل - في كتابه فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم، ولا تجعلوني مثلهم، فإني لست كأحدهم، إذ كانوا يسودونكم بأسباب الدنيا، وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة، فسموني نبيا ورسولا.