للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيدنا [قال] (١) " السيد الله "؛ لأنه قد فهم من مقصدهم أنهم أرادوا بالسيد المعنى الذي لا يصح إطلاقه على البشر، ولم يريدوا به المعنى الذي يطلقه البشر على الأنبياء وغيرهم، ويويد هذا ما قاله لهم من بعد: " ولا يستجرنكم الشيطان " " ولا يستهوينكم الشيطان " فإن مخاطبته لهم بهذا الخطاب تدل أبلغ دلالة على أنه قد فهم منهم الغلو (٢)، فكان ذلك سببا لقوله لهم: " السيد الله "، وهذا في غاية الوضوح والجلاء، فعرفت بهذا أن ذلك الحديث لا يدل على مطلوب المستدل.

وذكر في النهاية (٣) ما يفيد أن في هذا الحدث زيادة لفظ يدل على جواز إطلاق لفظ السيد على بني آدم، فقال ما لفظه: ومنه الحديث لما قالوا له: أنت سيدنا فقال: " قولوا بقولكم، ادعوني نبيا أو رسولا كما سماني الله، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم؛ فإني لست كأحدكم ممن يسودكم في أسباب الدنيا ... " انتهى.

فهذا يدل على جواز إطلاقه على البشر لا على منعه، فالدليل حجة عليهم لا لهم.

الحجة الثانية: ما ثبت عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصحيحين (٤) وغيرهما (٥) أنه قال في الحسن بن


(١) زيادة من (ب).
(٢) تقدم الكلام على الغلو.
(٣) لابن الأثير (٢/ ٤١٧).
قال الحافظ في " الفتح " (٥/ ١٧٩): ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك والإذن بإطلاقه على المالك، وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا أو كنايته بالسيد، ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي، فعند أبي داود والمصنف في " الأدب " من حديث بريدة مرفوعا: " لا تقولوا للمنافق سيدا ".
(٤) بل أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٧٠٤) وأطرافه (٣٦٢٩، ٣٧٤٦، ٧١٠٩).
(٥) كأحمد في " المسند " (٥/ ٣٧ - ٣٨) والنسائي في " المجتبى " (٣/ ١٠٧) و" عمل اليوم والليلة " رقم (٢٥٢)، وقد تقدم.