للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان هذا النبي العربي الأمي لا يعلم إلا بما يعلمون، ولا يدري إلا بما يدرون. بل قد يعلم الواحد منهم المتمكن من قراءة المكتوب، وكتابة المقروء بغير ما يعلمه هذا النبي. فبينما هو على هذه الصفة بين هؤلاء القوم البالغين في الجهالة إلى هذا الحد جاءنا هذا الكتاب العظيم، الحاكي لما ذكرناه من تفاصيل أحوال الأنبياء وقصصهم، وما جرى لهم مع قومهم على أكمل حال، وأتم وجه. ووجدناه موافقا لما في تلك الكتب، غير مخالف لشيء منها. كان هذا من أعظم الأدلة الدالة على ثبوت نبوته على الخصوص، وثبوت نبوة من قبله من الأنبياء على العموم.

ومثل دلالة هذا الدليل لا يتيسر لجاحد، ولا لمكابر، ولا لزنديق مارق أن يقدح فيها بقادح، أو يعارضها بشبهة من الشبه كائنة ما كانت إن كان ممن يعقل ويفهم [٢٥]، ويدري بما يوجبه العقل من قبول الأدلة الصحيحة التي لا تقابل بالرد، ولا تدفع بالمعارضة، ولا تقبل التشكيك، ولا تحتمل الشبهة.

ومع هذا فقد كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمي المبعوث بين هؤلاء يصرح بين ظهرانيهم ببطلان ما هم عليه، ويزيف ما هم فيه أبلغ تزييف، ويقدح فيه أعظم قدح، ويبين لهم أنهم أعداء الله، وأنهم مستحقون لغضبه وسخطه وعقوبته، وأنهم ليسوا على شيء. فبهذا السبب صاروا جميعا أعداء له، يطعنون عليه بالمطاعن التي يعلمون أنه منزه عنها، مبرأ منها كقولهم: إنه كذاب، وإنه مجنون، وإنه ساحر.

فلو علموا أنه تعلم من أحد من أهل الكتاب. أو أخذ عن فرد من أفرادها، لجاءوا بهذا المطعن بادئ بدء، وجعلوه عنوانا لتلك المطاعن الكاذبة، بل لو وجدوا إلى ذلك سبيلا لعولوا عليه، ولم يحتاجوا إلى غيره. فلما لم يأتوا بذلك، ولا تكلموا به، ولا وجدوا إليه سبيلا، علم كل عاقل أنه لم يتعلم من أحد من اليهود، ولا من النصارى، ولا من غير هاتين الطائفتين.

إذا لم يطعن عليه بذلك هؤلاء الذين هم قومه وقد ولد بينهم، وعاش في ديارهم، يخالطهم، ويخالطونه، ويواصلهم ويواصلونه، ويعرفون جميع أحواله، ولا سيما من كان