للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قرابته منهم الذين صاروا له بعد البعثة أشد الأعداء، وأعظم الخصوم، كأبي لهب، وأمثاله، فإنه لا شك، ولا ريب أنه لا يخفى عليهم، ما هو دون هذا من أحواله.

وأيضا لو كان قد تعلم من أحد من أهل الكتاب، لم يخف ذلك على أهل الكتاب الذين صرح لهم بأنهم إن لم يؤمنوا به فهم من أعداء الله، ومن المستحقين لسخطه، وعقوبته، وأنهم على ضلالة، وأنهم قد غيروا كتابهم، وحرفوه، وبدلوه، وأنهم أحقاء بلعنة الله وغضبه.

فلو كان له معلم منهم، أو من أمثالهم من أهل الكتاب، لجعلوا هذا المطعن عليه مقدما على كل مطعن يطعنونه به من تلك المطاعن الكاذبة، بل كان هذا المطعن مستغنيا عن كل ما طعنوا به عليه؛ لأن مسافته قريبة، وتأثره ظاهر، وقبول عقول العامة له من أهل الكتاب، ومن المشركين أيسر من قبولها لتلك المطاعن الكاذبة التي جاءوا بها. هذا معلوم لكل عاقل، لا يشك فيه شاك، ولا يتلعثم عنده متلعثم، ولا يكابره فيه مكابر. فلما لم يطعن عليه أحد منهم بشيء من ذلك علمنا علما يقينا انتفاء ذلك، وأنه لم يتعلم من أحد منهم.

وإذا تقرر هذا البرهان الذي هو أوضح من شمس النهار أنه لم يكن له معلم من اليهود، ولا من النصارى، ولا من غيرهم، ممن له علم بأحوال الأنبياء، فلم يبق إلا أن يكون اطلع بنفسه منفردا عن الناس على مثل التوراة والزبور والإنجيل. ونحو ذلك من كتب الأنبياء.

وقد علمنا علما يقينا بأنه كان أميا [٢٦] لا يقرأ المكتوب، ولا يكتب المقروء. ثبت هذا بالنقل المتواتر عن أصحابه، مع عدم مخالفة المخالفين له في ذلك، فإنه لم يسمع عن واحد منهم أنه نسب إليه أنه يقدر على قراءة المكتوب، أو كتابة المقروء، وحينئذ انتفت هذه الطريقة أعني كونه اطلع على الكتب المتقدمة بنفسه منفردا عن الناس، وإنما قلنا منفردا عن الناس لأنا لو فرضنا قدرته على ذلك في محضر أحد من الناس لم يخف ذلك على أتباعه، ولا على أعدائه.