للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا انتفت قدرته على قراءة المكتوب من حيث كونه أميا، وانتفى اطلاع أحد من الناس على شيء من ذلك علمنا أنه لم يأخذ شيئا من ذلك لا بطريق التعليم، ولا بطريق المباشرة منه لتلك الكتب، ولم يسمع عن أحد، لا من أتباعه، ولا من أعدائه، أنه كان بمكة من يعرف أحوال الأنبياء وقصصهم، وما جاءوا به من الشرائع، ولا كان بمكة من كتب الله -سبحانه- المنزلة على رسله شيء، ولا كانت قريش ممن يرغب إلى ذلك أو يطلبه، أو يحرص على معرفته، ومع هذا فقد كان أعداؤه من كفار قريش يعترفون بصدقه، ويقرون بأنهم لم يجربوا عليه كذبا، وفي حديث ابن عباس في الصحيحين (١) وغيرهما في قصة سؤال هرقل لأبي سفيان أنه قال له: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال أبو سفيان: لا.

وفي الصحيحين (٢) وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود أن سعد بن معاذ لما قال لأمية بن خلف أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر أنه سيقتل فقال ذلك لامرأته. فقالت والله ما يكذب محمد، وفي رواية أخرى أن أمية قال أيضا: والله ما يكذب محمد، وعزم على ألا يخرج خوفا من هذا.

وأخرج البخاري في صحيحه (٣) من حديث ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لقريش: "لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا.

وأخرج البخاري في تاريخه (٤)، وأبو زرعة في دلائله، وابن إسحاق (٥) أن أبا طالب لما


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٧) ومسلم في صحيحه رقم (١٧٧٣) وقد تقدم.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٣٦٣٢).
(٣) رقم (٤٧٧٠) وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٠٨).
(٤) (٤/ ١\ ٥٠ - ٥١ رقم ٢٣٠) من حديث عقيل بن أبي طالب.
(٥) أورده الهيثمى في "مجمع الزوائد" (٦/ ١٥): وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير" إلا أنه قال من جلس بدل مكان (كبس) وأبو يعلى باختصار في أوله. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. ا هـ.