إياك نعبد، وإياك نستعين، يا من لك الحمد كله، دقه وجله، نسألك أن تصلي وتسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
وبعد: فإني لما حررت بحثا في أيام قد تصرمت، وسنين قد تقدمت، حاصله: أنه يجوز في المكاتبات ونحوها إطلاق لفظ سيدي ونحوه. وقفت بعد أيام طويلة على مناقشات لبعض ما اشتمل عليه ذلك البحث من بعض أهل العلم والفهم - كثر الله في عباده الحاملين للعلم من أمثاله - ورأيت بعض ما اشتملت عليه تلك المناقشات، قد اشتمل على أمور من حق ما يجب على المسلم للمسلم من النصيحة والمحبة التنبيه عليها.
وها أنا قبل الشروع في تعقب تلك المناقشات أوضح لك محل النزاع الذي حررت لأجله ذلك البحث.
فأقول - وبالله الثقة -: إن محل النزاع هو: هل من كتب في رسالة إلى أحد من إخوانه: يا سيدي، أو أيها السيد، أو نحو ذلك قد فعل بهذا محرما عظيما، وارتكب محظورا جسيما أم لا؟ بل لم يحصل منه إلا مجرد المخالفة لما كان الغالب في مكاتبات السلف الصالح من قولهم: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان.
وقد أوضحت هذا في ذلك البحث الذي ناقشه المناقش - عافاه الله - إيضاحا بليغا فقلت: ولا شك ولا ريب أن هذا العنوان أعني من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان هو الذي كان عليه السلف الصالح.
ثم قلت: فهو من هذه الحيثية سنة حسنة، وخصلة مستحسنة. ثم قلت بعد هذا أن من عنون كتابه بما جرت عليه عادات المتأخرين من لفظ سيدي فلان، ونحو ذلك هل ارتكب عظيما، وفعل جسيما، وتلبس بغير شعار الإسلام، وارتطم في أعظم مهاوي الآثام؟ إلى آخر كلامي في عنوان ذلك البحث، فهذا تصريح بأن محل النزاع ليس هو في كون هذا سنة، فإن الاعتراف بذلك كائن قد أوضحته في عنوان البحث، ولكن محل