النزاع هل يكون المخالف لما كان عليه السلف من قولهم من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان فاعلا لمحرم، ومرتكبا لأمر معظم [١] بل هو يكون متلبسا بغير شعار الإسلام، ومرتطما في أعظم مهاوي الآثام كما صرحت بذلك تصريحا لا يبقى بعده ريب لمرتاب؟.
وإذا قد تقرر أن هذا هو محل النزاع عرفت أنه لا نزاع في كون ذلك هو عمل السلف الصالح، أعني: قولهم من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، فأني قد اعترفت بهذا وصرحت به في عنوان البحث، وصرحت بأنه العنوان الذي كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله في مكاتباته، وهذا الاعتراف لا يستلزم أن تكون المخالفة لذلك محرمة فضلا عن كونها موجبة للخروج من الإسلام، والوقوع في أعظم الآثام.
وقد تقرر عند جميع أهل الملة الإسلامية سابقهم ولاحقهم أن ترك السنن التي ليست بواجبة لا توجب كفرا ولا فسقا، ولا يقال لذلك التارك أنه بتركه قد فعل محرما، وارتكب معظما، بل غاية ما يلزم من ذاك أن التارك حرم نفسه الثواب الذي كان سيحصل له بفعل تلك السنة، لا أنه قد صار بذلك مستحقا للعقاب؛ فإن الشيء الذي يمدح فاعله، ويذم تاركه إنما هو الواجب المفترض على العباد من الله - سبحانه - كما قرر ذلك علماء الأصول على اختلاف مذاهبهم، ولم يقل أحد منهم أن تارك ما ليس بواجب يأثم أو يذم (١).
هذا على فرض أنه لم يرد ما يجوز ترك ذلك الفعل الذي فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أما لو ورد ما يجوز تركه من أقواله أو تقريراته فلا نزاع ولا خلاف في جواز الترك لما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن ذلك الترك كان بدليل هو القول أو التقرير كما كان فعل ذلك الفاعل الموافق لما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدليل هو الفعل، وإلا لزم أن تكون هذه الشريعة المطهرة منحصرة في أفعاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(١) انظر الرسالة رقم (٦٧). "الكوكب المنير" (١/ ٣٣٣)، و"المستصفى" (١/ ١٣٧)، "الإبهاج" (١/ ٤٣)