للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دون أقواله وتقريراته، بل ودون القرآن الكريم، وهذا خرق لإجماع أهل الملة الإسلامية، وإهدار لأكثرها، فإن الأحكام الثابتة بالقرآن وبأقوال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقريراته أضعاف [٢] أضعاف الأحكام الثابتة بمجرد الأفعال، بل غالب هذه الشريعة المطهرة، بل كلها إلا النادر الشاذ ثابت بالكتاب العزيز، وبأقواله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقريراته. وأما مجرد الأفعال فغالبها بيان لما في القرآن، أو موافق للأقوال (١).

فمن زعم أن ما خلف أفعاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كتاب الله - سبحانه -، أو من أقوال رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقريراته ليس بشرع فقد ارتكب أمرا عظيما، وقال قولا وخيما وأبطل الشريعة بأسرها إلا القليل النادر، وخالف كل أهل الملة الإسلامية سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم.

وإذا عرفت هذا وفهمته كما ينبغي فاعلم أني لم أقل في ذلك البحث أن من قال في عنوان كتابه: من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان مخالف للسنة، ولا قلت أن من قال في عنوان كتابه: يا سيدي أو نحوه فقد فعل ما هو أفضل، بل قلت ما حاصله أن من قال يا سيدي أو نحوه فهو لم يفعل محرما، ولا خرج من الإسلام، ولا استحق أعظم الآثام مع اعترافي بأن الذي كان عليه السلف الصالح هو ذلك العنوان، وأنه سنة حسنة، وخصلة مستحسنة. ولكني أنكرت على من يقول أن في خلاف ذلك ما يوجب أعظم الآثام، والتلبس بغير شعار الإسلام، والدخول في المحرمات العظام.

وقلت: أن هذه المخالفة جائزة، وأوردت أدلة تدل على ذلك حسبما أوضحته في ذلك البحث إيضاحا لا يبقى بعده ريب. وأنت خبير بأن المناقشة لهذا الذي قلته في ذلك البحث إنما تكون بإيراد الأدلة الدالة على أن من عدل في عنوان كتابه من ذلك العنوان الذي كان عليه السلف الصالح إلى عنوان آخر يخالفه فقد فعل محرما عظيما، وخرج من


(١) تقدم توضيحه. انظر: "البحر المحيط" (٤/ ١٧٧)