وإذا تقرر لك هذا فاعلم أن ما سأل عنه السائل - كثر الله فوائده - مما يقع في بعض الولائم، وعند قدوم من كان غائبا في حج أو نحوه إن كان هو الذي يقع في زمن النبوة على الصفة الثابتة إذ ذاك، فهذا من الحلال البين، وإن كان على صفة غير تلك الصفة، فإن تبين حكم حل ذلك الواقع من دليل آخر كركض الخيل، والرمي بالبنادق، والمذاكرة في المسائل العلمية والأدبية، والاجتماع في مجلس من المجالس، أو مسجد لذكر الله، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وذكر ما لا بأس به من أخبار القرون الأولى، وتناشد أشعارهم، ووصف مجرياتهم فهذا ونحوه [٣ب] قد جاءت الأدلة الصحيحة المأخوذة من كليات الشريعة وجزئياتها بأنه حلال، وأنه لا بأس به.
وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يجتمعون في مجالسهم، وفي مساجدهم ويتذاكرون العلم، ويتواعظون بمواعظ الأئمة ويذكرون في بعض الأوقات ما كان يجري بين أسلافهم من العرب من الحروب، والتكرمات، والخطب، والمقاولات، وينشدون ما قالوه من الأشعار في ذلك.
بل وقع مثل هذا من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كما في حديث أم زرع الثابت في الصحيحين (١)، وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رضي الله عنها -: "أنا لك كأبي زرع لأم زرع" وكذلك ثبت اجتماع أمهات المؤمنين، واجتماع كثير من النساء إليهن، وذكرهن للحوادث والوقائع، كما في حديث المرأة التي كانت تدخل عليهن وتكرر هذا البيت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
وتذكر قصتها في ذلك كما في ...................................................
(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٥١٨٩) ومسلم رقم (٢٤٤٨) عن عائشة رضي الله عنها قالت وفيه: " جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا. . . قالت عائشة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كنت لك كأبي زرع لأم زرع"