للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحيح (١)، وكذلك حسان - رضي الله عنه - كان ينشد الصحابة أشعاره في مسجد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وقال لما أنكر عليه عمر رضي الله عنه: " قد كنت أنشده وفيه من هو خير منك" (٢)، والأمر في مثل هذا كثير يطول تحريره، ويكثر بسطه، وكل عالم يعلمه، فما كان من هذا الجنس مما علم حله بأدلته فهو من الحلال البين، فلا يحل لمسلم إنكاره، ولا يجوز القول بأنه من البدع التي هي ضلالة، وإنما إذا كان ذلك الاجتماع يصحبه فيه شيء من منكرات الشرع، كالتغني بالأشعار بالأصوات المطربة، والتوقيعات المختلفة، وذكر ما لا يحل ذكره من التشوق إلى معاصي الله - عز وجل -، والتنشيط إلى مواقعة محارمه [٤أ]، والترغيب إلى تعدي حدوده، وهتك الأعراض بالمقاولات السخيفة، وثلب أعراض المسلمين بالغيبة، والسعي بينهم بالنميمة، وعلى الجملة فإذا اشتملت تلك المجالس والمجامع على شيء مما ورد الشرع بتحريمه فحضورها حرام، والقعود فيها معصية، لأنها من قسم الحرام البين.

ويجب على المسلمين الإنكار على من تلبس بشيء منها، وإن كان ما يقع في تلك المجالس والاجتماعات التي يسمونها ولائم وأعراسا وتعزية لميت، وتسلية لمحزون، وملاقاة لقادم من غيبة، وزيارة لمن يحق له عندهم الزيارة مما لم يتبين كونه حلالا، ولا لكونه حراما، فهو من الأمور المشتبهة، والمؤمنون وقافون عند الشبهات، فاجتناب هذه المجالس هو شأن المؤمنين، ودأب المتمسكين بالدين، فمن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن لابسها وجالس أهلها فقد حام حول الحمى، ورتع في جوانبه، فيوشك أن يواقعه، وهو أيضًا لم يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، وهو أيضًا دخل في أمر ليس عليه أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ففعله رد عليه فإن أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الوقوف عند الشبهات، واجتناب ملابستها وهو أيضًا لم يترك ما يشتبه عليه من الإثم، فيوشك أن


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤٣٩) وقد تقدم ذكر القصة.
(٢) انظر "فتح الباري" (١/ ٥٤٨).