للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يواقع ما استبان من الحرام.

وإذا عرفت هذه الأقسام، وتقرر لك حكم كل واحد منها ارتفع الإشكال، واتضح الأمر، وتبين لك ما هو الذي يجوز لك ملابسته من تلك المجامع [٤ب] والمجالس، وما هو الذي لا يجوز لك ملابسته منها وما هو الذي ينكر على فاعله وما هو الذي لا ينكر على فاعله، وما هو من البدعة التي هي ضلالة، وما هو من البدعة المشتبهة، وذلك يغنيك عن النظر إلى ما وقع من ذلك في البلد الفلاني، أو في الجيل الفلاني، أو في العصر الذي قبل عصرك، أو في العصور التي قبله بكثير، فإن ذلك مما لا يصح الاحتجاج به، ولا إيراده في موارد الاستدلال، فقد وقع من ذلك في كل عصر من العصور الغث والسمين، والجاري على منهج الشرع والجاري على غيره، وصار كثير من الأشياء المنكرة، والبدع التي هي من قسم الضلالة باستعمال كثير من الناس لها غير مستنكر ولا معدود من الأمور المخالفة للشرع، ولا من الشبهة التي يتوقف المؤمنون عندها.

ومن اطلع على كتب التاريخ وقف من ذلك على العجب العجيب، والنبأ الغريب، فإن كثيرا من المنكرات المعلوم تحريمها بضرورة الشرع قد صارت عند قوم من الأقوام، وفي جيل من الأجيال من المعروف لا من المنكر، حتى إن من أنكر ذلك عد إنكاره منكرا ولا يقوى على القيام في مثل هذه المقامات الصعبة إلا من كان متصلبا في دين الله، شديد الشكيمة على أعداء الله، نافذ البصيرة في الحق، صحيح التصور لما أخذه الله على الذين أوتوا الكتاب من البيان، قوي الفهم بمعنى قوله - عز وجل -: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (١)، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (٢).


(١) [آل عمران: ١٨٧]
(٢) [البقرة: ١٥٩]