للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى الدين والدنيا [٦أ].

ولا فرق بين بعث مثله ليحكم بجهله، وبين بعث رجل من أهل الطاغوت العارفين بالمسالك الطاغوتية كابن فرج، وفصيله، والغزي، ونحوهم من حكام الطاغوت، بل بعث هذا القاضي أعظم عند الله ذنبا، وأشد معصية، لأنه لما كان في الصورة قاضيا من قضاة الشرع الشريف، وحاكما من حكامه مولى ممن إليه الولاية العامة، كان في ذلك تغرير على الناس، ومخادعة لهم، فانجذبوا إليه ليحكم بينهم بشرع الله، فحكم بالطاغوت، فقبلوه بناء منهم على أنه حكم الشرع، بخلاف بعث حاكم من حكام الطاغوت، فإنه وإن كان من المعصية والجراءة على الله بالمكان الذي لا يخفى، ولكنه لا تغرير في بعثة على العباد، ولا مخادعة، فربما يجتنبه من يجتنبه إن لم يجتنبوه جميعا، وينفروا عنه ويأبوا منه، وكفى بهذا موعظة وعبرة يقشعر لها جلد من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان، وترتجف منه قلوب قوم يعقلون: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (١).

هذا حال هذا القاضي الذي هو من قضاة النار (٢) ومن عصاة الملك الجبار [٦ب] فيما يتولاه من الخصومات.

وما سائر ما هو موكول إلى قضاة الشرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم، وإرشاد الضال، وتعليم الجاهل، والدفع عن الرعية من ظلم من


(١) [الذاريات: ٥٥]
(٢) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (٣٥٧٣) والترمذي رقم (١٣٢٢) وابن ماجه رقم (٢٣١٥) والحاكم (٤/ ٩٠).
عن ابن بريدة، عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "القضاة ثلاثة واحد في الجنة، واثنان في النار فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق فقضي به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار".
وهو حديث صحيح.