للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يظلمها، والمكاتبة لإمام المسلمين بما يحدث في القطر الذي هو فيه مما يخالف الشريعة المطهرة - فلا يقدر هذا القاضي الشقي على شيء من هذه الأمور، سواء أكان حقيرا أو كثيرا، بل غاية أمره، ونهاية حاله أن يبقى في ذلك القطر يشاهد المظالم بعينه، وقد ينفذها بقلمه، وقد يعين عليها بفمه، وهو تارك لما أوجبه الله عليه، وعلى أمثاله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو في الحقيقة ضال مضل، شيطان مريد، بل أضر على عباد الله من الشيطان، ومن أين للشيطان، وأنى له أن يظهر للناس في صورة قاض ثم يفوض في قطر من الأقطار فيه ألوف مؤلفة من عباد الله، فيحكم بينهم بالطاغوت بصورة الشرع [٧أ]، ثم يكون شهيدا على ما يحدث بذلك القطر من المظالم، ومعينا عليها، وموسعا لدائرتها من دون أن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، بل لا يجري قلمه قط بما فيه جلب خير للرعية أو دفع شر عنهم.

بل هو ما دام في هذا المنصب لا هم له ولا مطلب إلا جمع الحطام من الخصوم، تارة بالرشوة (١) وتارة بالهدية (٢)، وتارة بما هو شبيه بالتلصص، ثم يدافع عن المنصب الذي هو فيه ببعض هذا السحت الذي صار يجمعه، ويتوسع في دنياه بالبعض الآخر، فهو أمر لا يقدر عليه الشيطان، ولا يتمكن منه، ولا يبلغ كيده لبني آدم إليه، وفي هذا ما يكفي من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.


(١) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراشي والمرتشي في الحكم".
أخرجه أحمد (٢/ ٣٨٧، ٣٨٨) والترمذي في "السنن" (١٣٣٧) وقال: حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح.
(٢) أخرج أبو داود رقم (٢٩٦٣) بإسناد صحيح عن بريدة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول".
وانظر: "فتح الباري" (٦/ ٦٢٤) رقم الباب ٢٤ - باب هدايا العمال)، و"إعلام الموقعين" لابن القيم (٤/ ٢٣٢).