للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد (١) وقال: إذا سمعت كذبا فهون على نفسك الصبر عليه.

وقال: ما لا ينبغي أن تفعله احذر أن تخطره ببالك، وقال: الأشكال المزخرفة، والأمور المموهة في اقتضاء الأزمان تتبهرج.

وقال: الإنسان الذي اختبرته بالتجربة، فوجدته لا يصلح أن يكون صديقا وخلا احذر أن تجعله لك عدوا. وقال: ينبغي أن تعرف الوقت الذي يحسن فيه الكلام، والوقت الذي يحسن فيه السكوت (٢).


(١) أخرج مسلم في صحيحه رقم (٣٨/ ٨) من حديث عمر بن الخطاب وفيه: " فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
وأخرج الترمذي في " السنن " رقم (٢٤٥٨) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " استحيوا من الله حق الحياء " قال: قلنا: يا رسول الله! إنا نستحي والحمد لله؟! قال: " ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى. ومن أراد الآخرة، ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله الحياء ".
وهو حديث حسن.
وأخرج البخاري في صحيحه رقم (٩) ومسلم رقم (٣٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان ".
قال الماوردي في " أدب الدنيا والدين " (ص ٢٤٢ - ٢٤٤): الحياء في الإنسان قد يكون ثلاثة أوجه:
١ - الحياء من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره.
٢ - حياؤه من الناس. فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح وهذا من كمال المروءة وحب الثناء.
٣ - حياؤه من نفسه: فيكون بالعفة وصيانة الخلوات.
قال بعض الحكماء: ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك.
قال بعض الأدباء: من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية، فليس لنفسه عنده قدر.
وهذا النوع من الحياء يكون من فضيلة النفس، وحسن السريرة فمتى كمل حياء الإنسان من وجوهه الثلاثة، فقد كملت فيه أسباب الخير وانتفت عنه أسباب الشر وصار بالفضل مشهورا، وبالجميل مذكورا، وقال بعض الشعراء:
وإني ليثنيني عن الجهل والخنا ... وعن شتم ذي القربى طلائق أربع
حياء وإسلام وتقوى وأنني ... كريم، ومثلي من يضر وينفع
(٢) قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص: ٥٥].
وقال سبحانه وتعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاة فَاعِلُونَ) [المؤمنون: ١ - ٤].
واعلم أن شروط الكلام أربعة:
١ - أن يكون الكلام لداع يدعو إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر.
قال عمر بن عبد العزيز: من لم يعد كلامه من عمله كثرت خطاياه.
وقال بعض الحكماء: عقل المرء مخبوء تحت لسانه.
٢ - أن يأتي بالكلام في موضعه.
٣ - أن يقتصر منه على قدر حاجته، فإن الكلام إن لم ينحصر بالحاجة، ولم يقدر بالكفاية؛ لم يكن لحده غاية. ولا لقدره نهاية.
وأنشدت لأبي الفتح البستي:
تكلم وسدد ما استطعت فإنما ... كلامك حي والسكوت جماد
فإن لم تجد قولا سديدا تقوله ... فصمتك عن غير السداد سداد
٤ - أن يختار اللفظ الذي يتكلم به فلأن اللسان عنوان الإنسان يترجم عن مجهوله، ويبرهن عن محصوله؛ فيلزم أن يكون بتهذيب ألفاظه حريا، وبتقويم لسانه مليا.
" أدب الدنيا والدين " (ص ٢٦٦ - ٢٦٨).
* وأخرج البخاري في صحيحه رقم (٦٤٧٨) ومسلم رقم (٢٩٨٨) ومالك (٢/ ٩٨٥) عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إن العبد يتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم ".