للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بإثبات، ولا بنفي. ولو قدرنا أن ذكر غير الطاعة يدل بمفهوم اللقب (١) على أن الإنفاق في الطاعة لا يكون سرفا، فهذا المفهوم لم يأخذ بمثله أهل العلم، ولا التفتوا إليه، وإنما أخذ به الدقاق (٢) وخالفه جميع أهل العلم، كما هو معروف في كتب الأصول وغيرها دفع ذلك، فالأدلة التي قدمنا ذكر بعضها تدل على ثبوت السرف بما هو خير. وإن قلت: قد نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بعض المتصدقين بجميع ماله، أو ببعضه معللا ذلك بأنه من بعد ذلك يتكفف الناس (٣).

قلت: لا تزاحم بين المقتضيات، فقد يكون وجه النهي هذه العلة كما يكون وجه النهي التعليل بالسرف، وقد يجتمعان جميعا، فيسرف بالتصدق بجميع ماله، ثم يتكفف


(١) مفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم بالاسم العلم نحو قام زيد، أو اسم النوع نحو: في الغنم زكاة، ولم يعمل به أحد إلا أبو بكر الدقاق.
وحكى ابن برهان في الوجيز التفصيل عن بعض الشافعية وهو أنه يعمل به في أسماء الأنواع لا في أسماء الأشخاص.
وحكى ابن حمدان وأبو يعلى من الحنابلة تفصيلا آخر وهو العمل بما دلت عليه القرينة دون غيره.
قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص٦٠٢): والحاصل أن القائل به كلا أو بعضا لم يأت بحجة لغوية ولا شرعية ولا عقلية، ومعلوم من لسان العرب أن من قال: رأيت زيدا لم يقتض أنه لم ير غيره قطعا. وأما إذا دلت القرينة على العمل به فذلك ليس إلا للقرينة فهو خارج عن محل النزاع.
وانظر: " البحر المحيط " (٤/ ٢٥).
(٢) انظر: " تيسير التحرير " (١/ ١٠١)، " الكوكب المنير " (٣/ ٥٠٩).
(٣) منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٥٣٥٥) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خير الصدقة ما أبقت غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ".
ومنها ما أخرجه أبو داود رقم (١٦٧٧) وابن خزيمة رقم (٢٤٥١) والحاكم (١/ ٤١٤) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: " جهد المقل، وابدأ بمن تعول ".
وهو حديث صحيح.
ومنها ما أخرجه البخاري رقم (١٤٧٢) ومسلم رقم (١٠٣٤) والنسائي (٥/ ٦٩) من حديث حكيم بن حزام.