للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما سؤالكم عن ماهيَّةِ الصلواتِ الواقعةِ منه ـ جلَّ وعلا ـ في قولِهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا».

فأقول: قد تقرَّر لكم أنَّ الصلاةَ هي منه تعالى الرحمةُ، كما حقَّقها بتلكَ الحقيقةِ علماءُ الشريعةِ، فيكون المرادُ أنَّ الله تعالى يرحَمُهُ عشرَ رحَمَاتٍ، وليس في تعدُّدِ الرحمةِ أمرٌ مُسْتَبْعدٌ، فإنَّه قد ثبتَ تعدُّدُها في الأحاديثِ الصحيحةِ. فأخرج الشيخانِ، (١) والترمذي (٢) عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال: «جعل الرحمةَ مائة جزء، فأمسكَ عندَه تسعةً وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فَمِنْ ذلكَ الجزء يتزاحَمُ الخلائقُ، حتى ترفَعَ الدابةُ حافِرَها عن ولدِهَا خشية أن تصيبه».

وأخرجَ مسلمٌ (٣) عن سلمانَ الفارسيِّ قالَ: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «إنَّ لله تعالى مائةَ رحمةٍ، فمنها رحمةٌ يتراحمُ بها الخلقُ، ومنها تسعٌ وتسعون ليوم القيامةِ». وفي أُخرى له (٤): «أنَّ الله تعالى خلقَ يومَ السماوات والأرضَ مائةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السماء والأرضِ، فجعلَ منها في الأرضِ رحمةً، فبها تعطفُ الوالدةُ على ولدِها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعضٍ، فإذا كان يوم القيامةِ أكملَها الله تعالى لهذهِ الرحمةِ».


(١) أخرجه البخاري رقم (٦٠٠٠)، ومسلم رقم (٢٧٥٢).
(٢) في (السنن) (٣٥٤١).
(٣) في صحيحه رقم (٢٠/ ٢٧٥٣).
(٤) أي لمسلم في صحيحه رقم (٢١/ ٢٧٥٣).
قال الحافظ في (الفتح) (١١/ ٤٣٣): قال الكرماني: الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخبر، والقدرة في نفسها غير متناهية، والتعلق غير متناه. لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل وتسهيلاً للفهم وتقليلاً لما عند الخلق وتكثيرًا لما عند الله سبحانه وتعالى، وأما مناسبة هذا العدد الخاص فحكى القرطبي ـ في (المفهم) (٧/ ٨٣) ـ عن بعض الشراح أن هذا العدد الخاص أطلق لإرادة التكثير والمبالغة فيه، وتعقبه ـ القرطبي ـ بأنه لم تجر عادة العرب بذلك في المائة وإنما جرى في السبعين.