للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما سؤالكم ـ حفظكم الله ـ عن كون هذهِ الرحمةِ تعمُّ النبيَّ وسائرَ العبادِ، أو تختلفُ باختلافِ النبيِّ والعبدِ.

فأقول: لم يفرِّقِ الجماهيرُ من أهل العلمِ في ذلكَ، بل جعلوا الصلاةَ من الله هي الرحمةَ، سواءٌ كانتْ صلاةً منه تعالى على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أو على غيرِه من العبادِ، وهكذا.

قال أهل اللغةِ (١) وقال القشيريُّ: هي مِنَ اللهِ لنبيِّهِ تشريفٌ وزيادةُ تكرِمَةٍ، ولسائرِ عبادِهِ رحمةٌ. قال في شرح المنهاجِ (٢): إن معنى قولِنا اللَّهمَّ صلِّ على محمدٍ عظمةٌ في الدنيا بإعلاء ذكُرِهِ، وإظهارِ دعوتِهِ، وإبقاء شرعيَّتِهِ، وفي الآخرةِ تشفيعُهُ في أمَّتِهِ، وتضعيفُ أَجْرِهِ ومثوبتِهِ. انتهى.

وهذا المعنى للصلاةِ عليه ـ صلي الله عليه وآله وسلم [٩]ـ هوَ الظاهرُ، ولأنَّ جَعْلَهَا للرحمةِ في حقِّهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ مع عِلْمِنا بأنَّ الله تعالى قد غفرَ له من ذنبِهِ ما تقدَّمَ وما تأخَّرِ، وأتمَّ نعمتَهُ عليهِ، وألحقَه بالصالحينَ من إخوانهِ من الأنبياء، بل رفعَ درجتَه عليهم، وَجَعْلَهُ سيِّدَهُم يكونُ قليلَ الجدْوَى، لأنَّ الرحمةَ في الأصلِ الرأفةُ والمغفرةُ كما في القاموس (٣) وغيره (٤) من كتب اللغةِ، فالصلاةُ على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ إذا كانت لمجرَّدِ الرحمةِ التي هي المغفرةُ كانتْ تحصيلاً للحاصلِ، وهو ما قد علمناه بنصِّ القرآنِ قبل موتِهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ وما كانَ بهذهِ المثابَةِ لا ينْدُبُ اللهُ تعالى العبادَ إليهِ، ولا يرغِّبُهُم فيه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ ويبالغ في الترغيبِ، حتى يُرشدَهم إلى فعلِهِ في كل صلاةٍ، ويذمُّ تارِكَهُ عندَ ذكرِهِ، كما أخرجه الترمذيُّ من حديثِ أمير المؤمنين قال: قال رسولُ الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «البخيل من


(١) انظر (لسان العرب) (٧/ ٣٩٨).
(٢) للشربيني الخطيب (١/ ٥٢٨ ـ ٥٢٩).
(٣) (ص١٦٨١).
(٤) انظر: (النهاية) (٣/ ٥٠)، (لسان العرب) (٧/ ٣٩٨).