للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا جواب شيخ الإسلام حفظه الله منقول من خط يده الكريمة ولفظُهُ:

بسم الله الرحمن الرحيم ـ

كثر الله فوائدك ـ:

اعلم أنَّ الله ـ سبحانه ـ أمر عباده بالصلاة على رسوله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ فكان حقُّ الامتثال أن يقولوا صلَّينا على رسول الله بالذي هو يقتضيه الأمرُ بالصلاة من الله ـ عز وجل ـ لعباده، فكيف وقع منه تعالى الأمر لعباده بالصلاة فوقع امتثالهم بغير ما يقتضيه ذلك الأمر في لغة العرب، فقالوا: اللهم صلّ على محمد إلخ فهو مثل قول الآمر لغيره: قم فقال المأمور له قم. قال لنا ـ عز وجل ـ: صلُّوا فقلنا: صلِّ. فهذا الإشكال يحتاج إلى جواب قبل الجوابِ على سؤال السائلِ.

فإن قلت: أبِنْ لنا جوابَ هذا. قلت: هذه الصلاةُ التي أمر بها ربنا ـ سبحانه ـ عبادَه أنْ يقولوها لرسلِه على شعارٍ عظيم، ولهذا كان مختصًا بالأنبياء مع أنَّ أصل الصلاة في اللغة الدعاءُ كما هو منصوصٌ عليه في صحاح الجوهري، (١) وفي غيره من كتب اللغة، (٢) فكان مقتضى هذه المعنى اللغوي جوازَ قول البعض من العباد للآخر: صلَّيت عليك، لأنه بمعنى دعوتُ لك، لكن هذا الشعارَ لا يجوز أن يكون في غير الربَِ ـ سبحانه ـ. فإن قلت: إذا كان المعنى اللغويُّ ما ذكرتَ فما المانع من التكلُّم به على مقتضى لغة العرب، وإرادة المعنى فيكون قولُ القائل صلَّيت عليك بمنزلةِ قوله دعوتُ لك.

قلت: قد عُلم من رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أنه لما نزل الأمر القرآني بالصلاة عليه قالوا له: كيف نصلِّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صلِّ على محمد


(١) (٦/ ٢٤٠٢).
(٢) انظر: (لسان العرب) (٧/ ٣٩٨ ـ ٣٩٩).
(مفردات ألفاظ القرآن) (ص ٤٩٠ ـ ٤٩١) للراغب الأصفهاني.