للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى آل محمد» إلى آخره، وبيَّنت في ذلك تعليمات منه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لأمَّته، وليس في واحد منها أنه قال: «قولوا: صلَّينا عليك»، بل كلُّها واردة بإرجاع الأمر إلى الله ـ سبحانه ـ.

وكذلك لم يقل رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لأحد من الأحد: صلِّيتُ عليك، بل كان يحيل ذلك على الله ـ عز وجل ـ كما في قوله: «اللهمَّ صلِّ على آل أبي أوفي». (١) والنكتةُ في ذلك الاعتراف بعظم أمرِ هذا وتقاصُرِ القُوى البشريةِ عن القيام به، فكأنهم قالوا بلسان الحال في هذا [٢أ] المقام: نحن يا ربَّنا لا نقدِرُ على ما أمرتنا به، فقِوَانا تتقاصَرُ عن القيام به، فرددنا ذلك إليك. ولا بد من هذا التنكيت، لأنَّ تعليم رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لنا كيفية الصلاة التي أمرنا الله ـ سبحانه ـ بها اقتضى أنَّ ذلك هو الحقيقة الشرعيةُ للصلاة المأمورِ بها، والحقيقة الشرعية تنقلُ عن الحقيقةِ اللغويةِ ويكون الاعتماد عليها، لأنَّ الشارع ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ بعثه الله تعالى ليبين للناس ما نزل إليهم، فكان اللائق تفسيرَ الكتاب العزيز بهما.

وأمَّا ما سأل عنه السائل ـ كثر الله فوائده ـ فاعلم أنه قد كثر مثلُ ذلك من النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ فكان يقول في الدعاء لأصحابه ـ رحمه الله ـ كما قال لآل عامر، فقالوا: يا رسول الله، لو أمتعتنا به (٢) فقد أراد النبيُّ ـ صلي الله عليه وآله


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٥٣، ٣٥٥، ٣٨١، ٣٨٨)، والبخاري في صحيحه رقم (١٤٩٧) و (٤١٦٦) و (٦٣٣٢) و (٦٣٥٩)، ومسلم رقم (١٠٧٨)، وأبو داود رقم (١٥٩٠)، والنسائي (٥/ ٣١) من حديث ابن أبي أوفي قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا تصدق إلى أهل بيت بصدقةٍ، صلّى عليهم، قال: فتصدَّق أبي إليه بصدقةٍ فقال: «اللهمَّ صلِّ على آل أبي أوفى».
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤١٩٦)، ومسلم رقم (١٢٣/ ١٨٠٢) من حديث سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى خيبر فسِرْنَا ليلاً، فقال رجلٌ من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنياتك؟ وكان عامرٌ رجلاً شاعرًا، فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم! لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفرْ، فِداءً لك، ما اقتفينا ... وثبت الأقدام إن لا قينا
وألقينْ سَكينةً علينا ... إنَّا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياحِ عوَّلوا علينا.
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من هذا السائق؟» قالوا: عامر. قال: «يرحمه الله». فقال رجل من القوم: وجبت يا رسول الله! لولا أمتعتنا به .... وهو حديث طويل. فراجعه في مظانه وقد ذكرت.