للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلم ـ بهذا اللفظ إنشاء الدعاء له فالرحمة كما يختص (١) الصحابةَ ولو كان ذلك إخبارًا عن وقوع الرحمةِ له فيما مضي لنزلَ به ما يدلُّ من الشهادة في ذلك الوقت، ومعلوم أنه لم ينزل به إلا بعد هذه الدعوةِ. وهكذا كان يقول لمن يطلب منه الاستغفارَ له: غفر الله لكَ، ونحوُ هذا كثيرٌ. وقد أطلق على ذلك السلف والخَلفُ، فإنهم يقولون عند رواية الحديث عن الصحابي رضي الله عنه، ويقولون عند الرواية عن غير الصحابي: رحمه الله. وقد جعل أهلُ علم البيان هذا اللفظَ أبلغَ مما يدل على الاستقبالِ كالأمر، وجعلوا النكتة في ذلك هي دلالة الماضي المعبر به عن المستقبل على الوقوع، أي أنه قد تحقق وقوعُه فهي وإن كانت بصيغة الماضي فالمراد بها إنشاء الوقوع بخلاف الأمر، فإنه لا يدلُّ إلاَّ على مجرد الإنشاء، ولا يدل على تحقيق الوقوع.

ومن ذلك قول القائل: بعتُ شريت، تزوجت، زوَّجْتُ، وهبْتُ، نذرتُ، فهذه جمل إنشائيةٌ لا إخبار به بالاتفاق. ولو كان المراد بها الإخبارَ لم يصحَّ بها شيء من تلك الأمورِ، لعدمِ وقوع مضمونها في الماضى. ومع هذه النكتة التي ذكرها علماء البيان نكتةٌ أخرى هي تأدُّب العبد مع ربه ـ عز وجل ـ حيث جاء بغير صيغة الأمر، فظهر بهذا أن صيغة الماضي تدل هاهنا على معنى الاستقبال مع زيادة هي تلك النكتة اللطيفة البيانيةُ، والنكتة الأخرى التي ذكرنا، وليس في صيغة الأمر شيء من هاتين النكتتين.

ومن هذا القبيل تسليمه ـ عز وجل ـ على كثير من أنبيائه كما في القرآن


(١) غير واضحة في المخطوط.