للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد صححه الحاكم وغيره، وأخرجه أحمد (١) أيضًا من حديث معاذ. قال المنذري (٢) بإسناد حسن. وقال (٣) في حديث أبي الدرداء أنَّ أحمد أخرجه بإسناد حسن. وقال الهيثمي (٤): في حديث أبي الدرداء: إسناده حسن. وقال: في حديث معاذ رجاله رجالُ الصحيح. فتأمَّل ما اشتمل عليه الحديث من ارتفاع فضيلةِ الذكر حتى جعلًه خير الأعمالِ وأزكاها وأرفعَها، فجمعَ بين هذه العباراتِ الثلاثِ، (٥) ولم يقتصر على واحدة منها، وهذا يفيد التأكيد المتبالغَ إلى حد يقصُر عنه الوصفُ، وتعجزُ الأذهانُ عن تصوُّره.

ثم ذكر بعد هذا التأكيد العظيم، والمبالغةِ البليغةِ أنَّ الذِّكر خيرٌ من إنفاقِ ما هو أحبُّ إلى القلوب من جميع عروض المال فقال: «وخير لكم من إنفاقِ الذهبِ والفضة» لأنَّ هذين الجنسين هما أثمانُ جميعِ الأموالِ، وأكثرِها نفعًا لبني آدم، والنفوس بها أشحُّ، وعليهما أحرص، يعلم هذا كلُّ عاقل. ثم جاوز هذا إلى ما النفوس به أشحُّ، وإليه أرغب، وعليه أحرصُ، وهي نفوس بني آدمَ فقال: «وخير لكم من أن تَلْقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقكم»، ولم يكن التفضيلُ على مجرد بذْل النفوس مطلقًا، بل قيده بما يفيد أنه القتلُ في الجهادِ حيث جعلَ القتال مع من هو عدوٌّ لا يقبل الإسلامَ، فيكون المعنى أنَّ ذكر الله أحبُّ وأزكى وأرفعُ من جميع الأموال التي اقتصر على ذكرِ أعلاها وأكملِها وأحبِّها إلى النفوس، وأرفعها عند الله، فكان دخول غيرِ الذهبِ


(١) في (المسند) (٥/ ٢٣٩) بسند ضعيف.
(٢) في (الترغيب والترهيب) (٢/ ٣٦٨). قلت: بل قال المنذري: بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعًا.
(٣) أي المنذري في (الترغيب والترهيب) (٢/ ٣٦٨).
(٤) في (مجمع الزوائد). (١٠/ ٧٣).
(٥) قال العز بن عبد السلام في (قواعده): هذا الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها، فإذًا الثواب يترتب علي تفاوت الرتب في الشرف.
انظر: (مرقاة المفاتيح) (٥/ ٥٤).