للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفضة بفحوى الخطاب، ومن جميع الأفعال التي أعلاها وأفضَلها وأشدُّها الجهادُ مع من يحقٌّ الجهادُ له، وذلك يفوقُ جميعَ الأعمال كائنةً ما كانت، وبذلها في الحق والجود بها لا يساويه عملٌ.

يجودُ بالنفس إنْ ضنَّ الجبان بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود

فما عدا القتال من الأعمال داخلٌ بفحوى الخطاب. فانظر إلى هذا الأمر العظيم، فإنَّ ذكر الله ـ سبحانه ـ هو مجرَّد حركة لسانِه ليس فيها من التعب والنَّصبِ ما يساوي اشتغالَ المجاهدِ بإلجام فرسِه، أو وضع السُّّرجِ عليها فضلاً عما وراء ذلك، فسبحانه المتفضِّل على عباده بما تقصُر عقولهم عن إدراك كُنْهِهِ، وأفهامُهم عن تصور حقيقتهِ، بل عن تصور رسْمِهِ! ومما يقوي هذا الحديث ما أخرجه أحمد (١) والطبراني (٢) من حديث معاذ عن رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: أنَّ رجلاً سأله: أيُّ المجاهدين أعظمُ أجرًا؟ قال: «أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرًا» ثم ذكر الصلاة، والزكاةَ، والحجَّ والصدقةَ كل ذلك ورسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ يقول: «أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرًا [٣ب]». فقال ابو بكر لعمر ـ رضي الله عنهما ـ: يا أبا حفص ذهب الذاكرونَ بكل خير، فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «أجل».

ويؤيده أيضًا ما أخرجه الترمذي (٣): أنَّ رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ سُئل: أيُّ العباد أفضلُ درجةً عند الله يوم القيامة؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا». قال: قلتُ: ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: «لو ضرب بسيفِهِ في الكفارِ والمشركينَ حتى ينكسِرَ ويختضبَ دمًا لكان الذاكرون الله تعالى أفضلَ منه درجةً» قال ...................................


(١) في (المسند) (٣/ ٤٣٨) بإسناد ضعيف.
(٢) في (الكبير) (٢٠/ ٤٠٧).
وأورده الهيثمي في (المجمع) (١٠/ ٧٤) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه زايد بن فائد، وهو ضعيف، وقد وثق، وكذلك ابن لهيعة، وبقية رجال أحمد ثقات.
(٣) أخرجه في (السنن) رقم (٣٣٧٦).