للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لذلك بحججٍ واهيةٍ يمكنُ دفْعُها بأدنى تأمُّلٍ.

وقد أجاب عنها الجمهور بجواباتٍ، وزيَّفوها بتزييفاتٍ، واحتجُّوا لما ذهبوا إليه بحججٍ مقبولةٍ، وبَرْهَنوا عليهٍ ببراهينَ معقولةٍ ومنقولةٍ، والمقامُ لا يتسعُ لِبَسْطِ ذلكَ، فمن رامَ الوقوفَ عليهِ فليرجعْ إلى مطوَّلاتِ كتُبُ الفنِّ، (١) فإنه يجدُ فيها من ذلكَ ما يشفي العليل ويروي الغليل.

إذا تقرَّر أن الواوَ لمطلقِ الجمعِ فقولُه في الحديث: ويجمعُ كفِّيه, ثم يَنْفُثُ فيهما, ويقرأ, وليس فيه دلالةُ على تقدُّمِ جمعِ الكفَّينِ, والنَّفثِ على القراءةِ, بل مدلولُهُ الجمعُ بينَ القراءةِ وجمعِ الكفَّينِ والنَّفثِ, مع احتمال تقدُّم القراءةِ على الجمعِ والنفثِ وتأخُرها ومقارنتَِها, ولكن لما كانت العلَّةُ في النَّفثِ معقولةً, وهى التبرُّكُ بالهوى الذي باشَرَهُ نَفَسُ التالي كان ذلكَ قرينةً قويةً على تعيُّنِ أحدِ تلكَ الاحتمالاتِ الثلاثةِ, وهو تخرُ النَّفْثِ عن التلاوةِ, لأنَّ تلك المزيةَ إنما تحصلُ للهوى بذلكَ, وأيضًا الاستشفاءُ إنما حصلَ بالمسحِ باليدينِ على البدَنِ, وهو متأخِّرٌ عن القراءةِ كما يدلُّ عليه لفظُهُ.

ثم في قوله: ثم يمسحُ, ولفظ أبي داود: (٢) كان إذا أوى إلى فراشِةِ كلَّ ليلةٍ جمعَ كفَّيِهِ ثم نفثَ فيهما: قل هو الله أحد, وقل أعوذ برب الفلق, وقل أعوذ برب الناس, ثم يمسحُ بهما ... (٣) الحديث.

فقيّدَ القراءةَ بكونِهما في الكفينِ, ثم رتَّب على ذلكَ المسحَ, فكان المعنى أنه يجمعُ بينَ القراءةِ والنَّفثِ في الكفينِ, ثم يمسحُ, وتلك القرينةَُ السالفةُ قاضيةُ بتقديمِ النَّفثِ على


(١) انظر (مغني اللبيب) (١/ ٣٩٠ ـ ٤٠٨). (البحر المحيط) (٢/ ٢٥٣ ـ ٢٦٠).
(٢) في: "السنن" رقم (٥٠٥٦)
(٣) وتمامه: "
ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده, يفعل ذلك ثلاث مرات"