أقول: هذا مما يقضي منه العجبُ، فإنَّ هذه الأسئلة الباردة القليلةَ الفائدةِ والعائدة كيف يكون من لم يجب عنها فهو في عداد الأطفال، فإن أنواع العلوم مختلفة، وقد رزق الله عباده المشتغلين بالعلم ما رزقهم من أنواعه، وقد يكون الرجلَ جَبَلاً من جبال العلم وبحرًا من بحار الكتابِ والسنة، ويخفي عليه تخريج هذه الأسئلة الزائغة، أو يرغب عن الجواب عنها لما يراه [٣ب] من عدم الفائدة المعتدِّ بها، فكيف يكون من هو بهذه المنزلة العلية لا مزية له على الأطفال! يا عجبًا كلَّ العجب من الدماميني! ولا جرم فالخنفساء تسمِّي بنتِها قمرًا، وقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ كثيرَ الزَّهْوِ بنفسه كما يراه الإنسان في كثير من أبحاثه، والسبب خلوه عن العلم بالكتاب والسنة، وما اشتملا عليه من القوارع والزواجر الموجبة على من عرفها أن يميط عن بدنه الكبر والخُيَلاء والزَّهوِ والعُجْبِ، ويغسلَ ثيابَه عن أدران هذه النزغاتِ الشيطانية، ورحم الله صاحبَ ضمد، فإن الدماميني لما دخل اليمن قال البيتين المشهورين له وهما:
لما دخلت اليمنا ... رأيتُ وجهي حسَنا
أَقْبِحْ بها من بلدٍ ... أحسنُ من فيها أنا
ولما وصل إلى ضمد راجعًا، وقد شاع هذان البيتان قصده الضمدي، وطلب منه المناظرة في فنِّه، وهو النحو، وكان قاعدًا على سرير فقال للضمدي: ما قرأت من كتب النحو؟ فذكر له الكافية، ومختصراتِ شروحها فقال: كتاب وضع لتدريب الصبيانِ ثم ماذا؟ قال: ثم الرَّضي، قال: قاربت الكفاءةَ، ثم ماذا؟ قال: ثم شرح التسهيل فقال: كفؤ كريمٌ، ونزل عن سريره، ودارت المباحثة بينهما، فأجاب الضمدي عن كل ما سأله الدماميني عنه، وأورد على الدماميني [٣أ] إشكالاتٍ عجز عن الجواب عنها، فقال له الضمدي: من أحسن من فيها؟ يشير إلى البيتين السابقين، فقال: أنت، وهذا إنصافٌ منه في الجملة، وقد كان عنه في سعَة، ويروي أنه حرَّف البيتين بعد هذه المباحثة فقال: