وأمَّا من يجعلُهُ موضوعًا للماهيَّة من حيث هي فعنده كلٌّ من اسم الجنس وعَلَمِهِ موضوعًا للحقيقةِ المتحدةِ في الذهنِ، وإنما افْتَرَقا من حيثُ إنَّ عَلَم الجِنْسِ يدلُّ بجوهرِهِ على كونِ تلكَ الحقيقةِ معلومةً للمخاطَبِ، معهودةً عندَه، كما أنَّ الأعلامَ الشخصيةَ تدلُّ بجواهرِها على كونِ الأشخاصِ معهودةً له. وأما اسمُ الجِنْسِ فلا يدلُّ علي ذلكَ بجوهِرِه، بل بالأدلةِ إن كانتْ.
وقد أوردَ المحققُ الرضيُّ في الفرقِ بينَهما مادةً نفيسةً في بحثِ الأعلامِ فرَاجعْهُ. وذهب ابنُ مالكٍ في شرح التسهيل إلى أنَّه لا فرقَ بينهما إلاَّ من حيثُ اللفظُ، لا من جهة المعني ومرادُهُ بقولِهِ: من حيثُ اللفظُ أنَّ عَلَمَ الجِنْسِ يمتنعُ من الصرفِ مع عِلَّةٍ أُخرى، ويقعُ مبتدأ بلا مسوِّغٍ، ويجيءُ منْهُ الحالُ بلا مسوِّغٍ أيضًا. ويمتنعُ تعريفه باللامِ خلافَ اسْمِ الجنسِ، والجِنْسُ في ذلكَ كلِّه. وإلى مثلِ هذا ذهبَ أبو حيانَ، وذهبَ جمعٌ من المحققينَ النحويينَ والأصوليينَ كالتَّقي السُّبُكيِّ، والبرماويِّ، وابنِ الحاجبِ في المفصَّلِ، والجلالِ السيوطيِّ في هُمْعِ الهوامعِ، والشيخِ زكريا، والفاكهيِّ، وهو الذي أشار إليه سيبويه في كتابِه، وهو الذي عليهِ جمهورُ المتأخرينَ إلى أنَّ بينَهما فرقًا معنويًّا. وذكر فُرُوقًا متقاربةً أحسنُها ما قدِّمنا ذِكْرَهُ. قالوا: وهو أيْ عَلَمُ الجِنْسِ باعتبارِ مُسمَّياتِهِ ثلاثةُ أنواعِ (١): ما وُضِعَ لأعيانٍ لا تُوْلَفُ كأسامةُ للأسدِ وما وُضِعَ لأعيانٍ تَوْلَفُ كأبي الحجَّاجِ للفيلِ، وأبي صفوانَ للجملِ، وما وُضِعَ لأمورِ معنوية كيَسَارِ للميسرةِ، وفَجَارِ
(١) انظره في (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) (١/ ١٢٢)، (شرح شذور الذهب) (ص١٧٩ـ ١٨٠).