للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

وصل سؤالٌ إلى المولي شيخ الإسلام حاصلُه: ما المراد بقول علماء الأصولِ أنَّ تبادُرَ المعنى عند إطلاقِ اللفظِ لأي [ ....

] (١) دليل لكون اللفظِ موضوع للمعنى المتبادر إلى فهم السامعِ، واعترض السائل على ذلك بوجهه الأول إنْ كان للعلمِ بعد الوضع، فليس من الدلالة على الحقيقة فِي شيء.

والثاني: إن كان قبلَ الوضع فهو قول القائل بأنَّ دلالة اللفظ على معناه بدايةً لا بالوضعِ هذا حاصلُه.

وأجاب شيخ الإسلام ـ جزاه الله أفضل الجزاء ـ بقوله:

الحمد لله ـ كثر الله فوائدكم ـ المراد المتبادرُ لأهل اللغةِ الذين لم تتغير لغتُهم، وأمَّا تبادُرَ المعنى لغةُ أهلِ اللغةِ فلا اعتبارَ به، ولا حكم له أصلاً.

وإذا تبادَرَ إلى أذهانهم شيءٌ فإنما هو باعتبار اللغةِ الدائرة بينَهم، لا باعتبار لسان العرب، والنزاعُ في هذا لا في تلك، فإنْ وجد بعد تغيُّر اللغة من يعرفُها معرفةً تامةً حتى صار كأهِلها، وذلك كالأئمة المتبحرين في اللغة فالتبادرُ له كالتبادُرِ لهم إذا كان لا يلتفتُ إلى غيرها، ولا يشتغل باللغاتِ الحادثة التي جرى التعارفُ بها.

وإذا تقرر هذا فالوضعُ على اختلاف الأقوال في الواضع من هو سابقٌ، وبعد هذا الوضع صارتْ هذه اللغةُ العربية [١أ] معروفةً عند كل عربي قبلَ تغيُّر اللغات العربيةِ، فإذا سمع من يتكلَّم بفرد من أفراد جملةٍ على المعنى الحقيقي، (٢) لأنَّ المتكلِّم به لم ينصبْ قرينةً، فإذا


(١) كلمة غير واضحة في المخطوط.
(٢) قال الشوكاني في (إرشاد الفحول) (ص١٢١): أنّ اللفظ قبل الاستعمال لا يتصف بكونه حقيقةً ولا بكونه مجازًا لخروجه عن حد كل واحدٍ منهما، إذ الحقيقةُ هي اللفظ المستعمل فيما وضع له، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، وقد اتفقوا على أن الحقيقة لا تستلزم المجاز لأن اللفظ قد يستعمل فيما وضع له ولا يستعمل في غيره، وهذا معلومٌ لكل عالمٍ بلغةِ العرب.
انظر: (الإبهاج) (١/ ٣١٨ ـ ٣٢٠).