للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نصبَها فهي التي نقلتْ ذلك اللفظَ من حقيقةٍ إلى مجاز، مثلاً لو سمع السامعُ من أهل اللغة قائلاً يقول: رأيت الأسدَ. لم يحملْه إلاَّ على الأسدِ الحقيقيِّ، فإن قال بعد قوله: رأيتُ الأسدَ ما يدلُّ على أنه أرادَ المجازَ كأنْ يقول: رأيتُ الأسدَ راكبًا أو معتقلاً [ ...... ]، (١) أو متقلدًا سيفًا عرف السامعُ أنه لم يُرِدْ إلاَّ المعنى المجازيَّ.

قوله: ويقال: لهم هذا التبادرُ يحصلُ بعد العلم بالوضعِ أم قبلَه؟ .. إلخ.

أقول: هذه العُربُ هم الذين صاروا يتكلَّمون بلغتِهم المعروفة بينهم، المشهورة عندهم تلقَّاها الآخر عن الأول، سواءً عرفوا الواضعَ أم لم يعرفُوه، بل أخذوا ألفاظها ومعانيها عن القوم الذين نشأ بينهم كما يتعلَّم الآن صبيانُنَا ما نتكلَّم به، سواءً كان لغويًّا أو عُرْفيًّا.

وبالجملة فالوضعُ والنزاعُ في الموضوعٍ لهم لا يستلزمُ معرفتَهم للواضعِ، وأمَّا من قال أنَّ في [١ب] اللفظِ دلالةً على معناه كالصميري (٢) فهو يقول: إنّ هذه الألفاظَ


(١) كلمة غير واضحة في المخطوط.
(٢) عباد بن سليمان الصيمري أحد رجال الاعتزال المشهورين في عصر المأمون.
قال السيوطي في (المزهر) (١/ ٤٧): نقل أهل أصول الفقه عن عبّاد بن سليمان الصيمري من المعتزلة أنه ذهب إلى أنَّ بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية حاملةٌ للواضع على أن يضع، قال: وإلا لكان تخصيص الاسم المعيَّن بالمسمّى المُعيَّن ترجيحًا من غير مُرَجِّح، وكان بعض من يرى رأيه يقول: إنه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها، فسُئل ما مسمَّى (إذغاغ) وهو بالفارسية الحجر، فقال: أجدُ فيه يُبْسًا شديدًا وأراه الحجر.
وأنكر الجمهور هذه المقاتلة وقال: لو ثبت ما قاله لاهتدى كلُّ إنسان إلى كل لغةٍ ولما صحَّ وضع اللفظ للضدين، كالقرء للحيض والطهر، والجَوْن للأبيض والأسود، وأجابوا عن دليله بأنَّ التخصيص بإرادة الواضع المختار خصوصًا إذا قلنا: الواضع هو الله تعالي، فإن ذلك كتخصيصه وجود العالم بوقت دون وقت.
وأما أهل اللغة والعربية فقد كادوا يطبقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ والمعاني، لكن الفرق بين مذهبهم ومذهب عبّاد أن عبّادًا يراها ذاتية موجبة، بخلافهم.
وانظر: (البحر المحيط) (٢/ ١٣ ـ ١٥).