للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبلغ بيان.

ومعلوم انحصارُ الدلالات في الدلالتين, فلا يبقى شيء من الدلالات إلاَّ وهو مندرج تحت ذلك مبيَّنٌ أكملَ بيانٍ, فبرهن عليه بأوفى برهان, بحيث لا يخرج عنه شيء, ولا يشذُّ فيه شاذٌّ.

فقول صاحب الفوائد الغياثية أن مقتضياتِ الأحوال مما لم يضبطْ فيما رآه من كتب الفنِّ إن أراد لم يضبطْ بأمر كل ما يندرج تحته جميعُ الأفراد فباطلٌ, فقد ضبطت بالقوانين الكلية المنطبقة على جميع الأفراد كما شأن كل فنٍّ من فنون العلم, وإن أراد تعدادَ الأمثلة, وتكرارَ إيراد الصور لمجرَّد الإيضاحِ فمثلُ هذا قد أغنى عنه القانون الكلِّيُّ المنطبقُ على أفراده, والاعتراضُ بمثله غفلةٌ شديدة [١أ]، وذهول عن قواعد الفنونِ العلميةِ بأسْرها، فإنَّ أهل النحو أو الصرف مثلاً لو أرادوا استيعابَ كلِّ الأمثلةِ، وجميعَ الصور لم يتمكَّنوا من ذلك قطٌُ، بل ضبطوا علم الصرف بضابط كليٍّ اندرج تحته جميع الأفراد، وكذلك علماءُ النحو صنعوا كذلك، وكذلك علماء المنطق، وعلماء الأصول، بل العلوم كلُّها هكذا، ومن زعم ما يخالفُ هذا فهو لا يعرف هذه العلومَ لا جملةً ولا تفصيلاً نعم علم اللغة من حيثُ لفظُها هو الذي يحتاج إلى استيعاب ما ورد عن العرب لأنه لم يكن هناك ضابطٌ كليٌّ، بل المتعةُ ذِكْرُ كلِّ لفظٍ للاطلاعِ على هذه اللغةِ العربية.

إذا عرفت هذا فاعلم أنَّ الفن الثالثَ من فنون هذا العلم هو علم البديع (١) الذي يعرف به وجوهُ تحسين الكلام، كائنًا ما كان. ولا وجه لاقتصار المصنِّفين في البديع على أنواعٍ مخصوصة، ولا لاقتصار أهل البديعياتِ على تلك الأنواعِ التي أوردوها في نظمِهم،


(١) علم البديع: علم تعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال.
ووجوه تحسين الكلام التي يبحث فيها (علم البديع) قسمان: قسم يرجع إلي المعنى وقسم يرجع إلى اللفظ، فهو علم المحسنات اللفظية، والمحسنات المعنوية.
(معجم البلاغة) (ص٦٩).