للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظاهر أَن (لا) للنفي (١)، بل هو الوجه الذي لا يحمل النظمُ القرآني سواهُ، وتكون هي وما دخلت عليه إما جوابَ شرط محذوفٍ أو صفةًً لفتنة ... ويقال في توجيه النونِ المؤكدةِ مثلُ ما سلف، وقد اقتصر على ذلك جماعةٌ من أئمة التفسير، وقال صاحب مدارك التنزيل أبو البركات عبدُ الله بن أحمد بن محمود النسفي (٢): إن قوله تعالى: {لَا تُصِيبَنَّ} جوابٌ، وبين المعنى بقول: و (لكنَّها تعمُّكم) ـ، وقال محمد بن جزء الكلبي ـ في التسهيل لمعالم التنزيل (٣) ما لفظه: (أي لا تصيب الظالمين وحدَهم، بل تصيبُ معهم من لم يغيِّر المنكرَ، ولم يَنْهَ عن الظلم، وإن كان لم يظلم)، وقال الرازي في مفاتيح الغيب (٤): (والمعنى: [٣ب] واحذروا فتنةً إن نزلت بكم لم تقتصرْ على الظالم خاصَّةً، بل تتعدي إليكم جميعًا، وتصل إلى الصالح والطالح).

وقد ذكر الطبري (٥)، والبغوي (٦)، والرازي، (٧) وغيرهم (٨) أَنها نزلت في جماعة من الصحابة وأن الفتنةَ هي ما جرى يومَ الجمل، ولا يخفى على ذي لُبٍّ أن الجزْمَ بكون الفتنةِ المذكورة في الآية هي فتنةُ يوم الجملِ محتاجًا إلى دليل، فإن الله ذكر الفتنةََ منكرةً، ثم القولُ بنزولها في المباشرين للقتال في ذلك اليوم لا يصحُّ، لأن الفتنة يومَ الجمل وقعت بَعْدَ موت النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ وانقطاع الوحي بزيادة على عشرين سنةً، بل الآية تحذير لجمع من يصلحُ للخطاب وقتَ النزول أن يقع أحدٌ منهم في فتنة


(١) انظر التعليقة السابقة.
(٢) (مدارك التنزيل المعروف بتفسير النسفي) (٢/ ١٠٠).
(٣) (ص٢٤١).
(٤) (١٥/ ١٤٩).
(٥) في (جامع البيان) (٦/ج٦/ ٢١٩).
(٦) في تفسيره (معالم التنزيل) (٣/ ٣٤٥).
(٧) (١٥/ ١٤٩).
(٨) انظر: (الجامع لأحكام القرآن) (٧/ ٣٩١ ـ ٣٩٢).