للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك، كذلك هي خطابٌ لمن وجد من المسلمين بعد انقراض عصر الموجودين وقتَ النزول كسائر الآيات القرآنية (١) والخطابُ وإن كان لا يصلح لمن كان معدومًا لكن قد قرَّر أئمة الأصول الكلامَ في ذلك فيما يعرفه من يعرف علمَ الأصول. (٢)

وبالجملة فالمخاطب بهذه الآية بهذه الآية هو المخاطبُ بقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (٣)، {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (٤)، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (٥)، والتعبُّد بما اشتملت عليه شاملٌ لكل من تعبَّده الله بما اشتملت عليه هذه الآيات الواردةُ في الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكل طائفةٍ من طوائف المسلمين مأمورةٌ باتقاءِ الفتنة [٤أ] التي هذا شأنُها. بل كل فرد من أفراد المسلمين مأمور بذلك ... ولا يصح تعيينُ فتنةٍ من الفتن الواقعة في الإسلام بأنها هي المرادةُ دونَ غيرها، ولا أنَّ الآية نزلتْ في بعض أَفراد الصحابة دون بعض إلا بدليل، ولا دليلَ فيما أعلم. بل قد ورد في أحاديثِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يدل على عدم التعيينِ، من ذلك ما أورده البغويُّ (٦) بإسناده في تفسير هذه الآية ولفظه: عن سيف بن أبي سليمان قال:


(١) قال ابن كثير في تفسيره (٤/ ٣٨) والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم ـ وإن كان الخطاب معهم ـ هو الصحيح.
(٢) تقدم توضيحه. وانظر: (إرشاد الفحول) (ص٧٦ ـ ٧٧)، (نهاية السول) (١/ ٣٠٧ ـ ٣٠٩).
(٣) [البقرة: ٤٣، ١١٠].
(٤) [البقرة: ١٨٥].
(٥) [آل عمران: ٩٧].
(٦) في تفسيره (٣/ ٣٤٥).
قلت: وأخرجه أحمد في (المسند) (٤/ ١٩٢) بإسناده ضعيف لإبهام الراوي عن الصحابي وباقي رجال الإسناد ثقات والدولابي في (الكنى) (١/ ٤٤) والطحاوي في (شرح مشكل الآثار) رقم (١١٧٥) والطبراني في (الكبير) (ج١٧ رقم ٣٤٣) من طرق.
وهو حديث حسن لغيره. وله شواهد تقدم كثير منها وسيأتي بعضها.