للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمعت عديًا الكندي قال: حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول: سمعت رسولَ الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ يقول: «إن الله لا يعذِّب العامَّة بعمل الخاصَّة حتَّى يروا المنكرَ بين ظهرانِيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذَّب الله العامَّة والخاصَّة» انتهى.

ولا شك أَن كثيرًا من الفتن الواقعة في أيام الصحابةِ هي من هذا القبيلِ، فإن فتنةَ يوم الجمل لم يُصَبْ بها الباغي وحدَه، بل قُتِلَ فيها جماعة من المحقِّينَ، وكذلك أيامُ صفِّينَ فإِنه قتل فيها من المحقينَ ألوف مؤلَّفة منهم عمار بن ياسر، ولكن الشأن في كون الفتنةِ التي هي سببُ النزول هي فتنة معينة، فإن ذلك لم يثبتْ. وقد أورد الرازي في تفسير هذه الآية من مفاتيح الغيب (١) سؤالاَ وأَجاب عنه فقال: (فإن قيل) (حاصل) الكلام في الآية أَنه تعالى يخوِّفهم بعذابٍ لو نزل [٤ب] لعمَّ المذنبَ وغيره، وكيف يليق برحمة الرحيم الحكيمِ أن يوصلَ الفتنة والعذابَ إِلى من لم يذنبْ: ـ؟ قلنا: إنه تعالى قد ينزل الموتَ والفقر والعمى وإنزاله بعبيده ابتداء، لأَنه يحسن منه تعالى ذلك بحكم المالكيةِ، ولأنه تعالى علم اشتمالَ ذلك على نوع من أنواع الصلاح على اختلاف المذهبينِ، وإِذا جاز ذلك لأجل هذين الوجهين فكذا هاهنا والله أعلم بمراده) انتهى.

وأقول: هذا إنما يكون مشكلاً إِذا كانت الفتنةُ المذكورة تصيب من لم يكن له ذنبٌ قطُّ، وأَما إِذا قيل إِنها تصيب الذين ظلموا ـ أَي باشروا المعصيةَ الموجبة لاتصَّافهم بالظلمِ، والذين لم ينكروا المنكرَ مع وجوب ذلك عليهم كما تقدم، لم يكن ما في الآية مشكلاً، لأن الذين ظلموا أصيبوا أيضًا بذنوبهم ـ وهي ترك إنكارًا المنكرِ مع التمكُّن منه، لكنه يشكل على هذا أن الذين تركوا إِنكار مع وجوبه قد صاروا من جملة الظلمةِ، لأنهم اقترفوا ذنبًا ـ وهو ترك الإنكار الواجبِ، اللَّهم إلا أن يقالَ: إِن المرادَ بالذين ظلموا في الآية هم الفاعلون للمعصية التي يجب


(١) في تفسيره (١٥/ ١٥٠).