للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عادتهم أنهم إِذا دخلوا مدينةً من مدائن الإسلام قتلُوا جميع من فيها من كبير وصغير, وذكرٍ وأنثى, وصالح وطالحِ, وعالم وجاهل, وكذا فتنةُ (تيمورلَنْكْ) فإنه فعل في البلاد الإِسلاميةِ ما يقارب فعل التتار ... وكذا لشاهُ إسماعيل وأمثالُهم من رءوس الفتنِ, فما ذكره الرازي (١) أنسب بالمفهوم القرآني, وبما يقع في الخارج, ويشاهد ويتواتَرُ, وإن كان ما ذكره غيره من التخصيص أَنسبَ بعدل الله وحكمتِه في حلول نقمته بمن يستحقُّها دون من لا يستحقُّها, فإنه ـ جل جلاله ـ لا يظلم الناس شيئًا {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦] ويؤيدُ هذا الحديثُ الذي ذكرناه من رواية البغوي, (٢) وفي معناه أَحاديثُ كثيرة (٣) وبالجملةِ فالمقام من المعارك, وعلى فرض إمكان التخلُّ عن بعض الصور كما يكون من أفعال العبادِ من الفتن بأن يقال: إن المصابينَ من غير المذنبينَ, ومن النساء والصبيان والمجانين مظلمون, وليس إلى الله من ظلم العباد بعضِهم لعضًا شيء, ولا [٦أ] يردُّ به الإشكال على ما في الآية الكريمة من التعميم, فقد لا يمكن التخلُّص عن العقوبات التي هى من أفعال الله كالخسفِ, والمسخِ, والجدْسِ, والعاهاتِ, وسائر الأمورُ السماويةِ إلا بمثل ما ذكَرَ الرازي.


(١) في (مفاتيح الغيب) (٥/ ١٤٩).
(٢) في تفسيره (٣/ ٣٤٥).
(٣) منها ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٣٣٤٦) ومسلم رقم (٢٨٨٠) عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: (لا إله إلا الله) ويلٌ للعرب من شرِّ قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج مأجوج مثل هذه) وحلَّق بين إصبعيه الإبهام والتي تليها, فقلت: يا رسول الله, أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبثُ).
ومنها: ما أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (٧٢٧٠) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله إن الله إذ أنزل سطوته بأهل الأرض وفيهم الصَّالحون, فيهلكون بهلاكهم؟ فقال: (يا عائشة, إنَّ الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصَّالحون فيصابون معهم, ثمَ يبعثون على نيَّاتهم).
وهو حديث صحيح لغيره.