للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحث الثالث

[مصير الفرق الثلاث من بني إسرائيل]

في تقرير معنى قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ}. [الأعراف:١٦٤]

قال أبو السعود: (١) إن المراد بقوله تعالى: {أُمَّةٌ مِنْهُمْ} جماعة من صلحائهم الذين ركبوا في وعظهم كل صعب وذلول حاى يئسوا عن احتمال القبول لأخرين, والمقول لهم جماعة آخرون لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير, مبالغة في الإعذار, وطمعا في فائدة الإنذار, والقول هو: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} أي مخترمهم بالكلية, ومطهر الأرض منهم {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} دون الاستئصال بالمرة, وقيل مخزيهم في الدنيا أو معذبهم في الآخرة, لعدم إقلاعهم عما كانوا عليه من الفسق والطغيان, والترديد لنتع الخلو دون منع الجمع, فإنهم مهلكون في الدنيا ومعذبون في الآخرة, وإيثار صيغة اسم الفاعل مع أن كلا من الإهلاك والتعذيب مترقب ـ للدلالة على تحققهما وتقررهما البتة, كأنهما واقعان, وإنما قالوه مبالغة في أن قالوه بمحضر من القوم حثا لهم على الاتعاظ, فإن بت القول بهلاكهم وعذابهم مما يلقي [٦ب] في قلوبهم الخوف والخشية, وقيل المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعاظهم ردا عليهم, وتهكما بهم, وليس بذاك.

وجواب القول المتقدم هو قوله تعالى: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي قال الواعظ: نعظهم معذرة إلى الله على أنه مفعول له ـ وهو الأنسب بظاهر قولهم: لم تعظون, أو


(١) في تفسيره (٣/ ٢٥٨)