أقول: اعلم أن جوابَ السعد المذكورَ في غايةِ الوضوحِ والظهورِ، وما أورده عليه فجوابُه أنا نختار القِسْمَ الثاني الذي قال أنه متعيّنٌ، ونقول له: ما تريد بقولك: (فيكون مركَّبًا بالضرورة؟). هل اللفظُ أو المعنى أو شيءٌ آخَرُ؟ إن أردتَ اللفظَ فممنوعٌ.
وإن أردت المعنى فنحن نقول بموجبه (١)، ولا يضرنا ولا ينفعُك. فما معنى هذه المراوغَة! وإن أردت شيئًا آخر فما هو حتى نجيبَ عليه؟
قال: فكيف لا وقد صرح هذا الزاعم في تفسير قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} بأنه لا معنى لتشبيه المركبِ بالمركبِ إلا أن تنتزعَ كيفيتهُ من أمور متعددةٍ فتُشَبَّه بكيفيةٍ أخرى مثلِها، تقعُ في كل واحد من الطرفين أمورٌ متعددة ...
أقول: نعم صرَّح بهذا، فكانَ ماذا؟ فإنه ليس في كلامِه هناك ما خالف كلامَه هنا، وليس تصريحُه هنالك بأنه تقع في كل واحد من الطرفين أمورٌ متعددة يستلزمُ أن يكون التعدُّدُ في اللفظ حتى يقال: لفظ الاستعلاء مفردٌ، بل المرادُ أن يكون [٥] المعنى في كل واحد من الطرفين متعدَّدًا، سواءٌ كان الدالُّ عليه لفظٌ مفردٌ أو متعدِّدٌ ...
قال: وأيضًا قد اتَّفقوا على أن وجه التشبيهِ في التمثيل يجبُ أن يكون مركَّبًا، وما ذاك إلا لكونه منتزعًا من متعدد، وأمثال ذلك مما لا يلتبس على ذي فطنة ناقدةٍ، وفكرة صائبةٍ ...
أقول: وكون مثلِ هذا الكلامِ لا ينفعهُ ولا يضرُّ السعدَ لا يلتبسُ على ذي فطنة ناقدةٍ وفكرة صائبة، فإن اتفاقهم على كونه وجْهَ الشبه في التمثيل يجبُ أن يكون مركبًا مسلَّم، وكذلك انتزاعُهُ من متعدد، ولا تعلُّق لمثل هذا الكلامِ بالمقام، فإن الانتزاعَ إنما هو من المأخذ لا من الدالِّ عليه الواقعُ في الكلام المشتملِ على الاستعارة التمثيلية.
قال: فكأنّى بك قد تطلعت نوازعَ من قلبِك إلى ما يشفي غليلَ صدرك من تحقيق
(١) في حاشية المخطوط: لكنه يبطل به قول السعد أن انتزاع طرفي التشبيه من عدة أمور لا يوجب تركبه في نفسه.