للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما اللغةُ: فأيُّ قائل قد قال منهم أن اللفظَ إذا كان مفردًا كان معناه غير متعدد, فإن الألفاظ المفردة التي لها معانٍ متعددةٌ موجودةٌ في كل باب من أبوابها وجودًا كثيرًا, فإن كان يعترفُ بهذا في معاني سائرِ الألفاظِ المفردة ويدَّعيه في معنى هذا اللفظ ـ أعني لفظَ الاستعلاء ـ فنحن نطالبُه بالنقل عن أهل اللغة, وما أظنه يجد إليه سبيلاً.

وأما الاصطلاح: فلم يصطلحْ على مل ذكره من التلازم أحدٌ من أهل الفنون العلميةِ فضلاً عن علماء البيان, وكيف يخفى مثل هذا! وكتبُ البيانِ مصرِّحةٌ في حد الاستعارةِ التمثيليةِ بأنها اللفظُ المستعملُ فيما شُبِّه بمعناه الأصلي, (١) كما وقع في تلخيص المفتاح (٢) فإن هذا تصريحٌ بتوحيد اللفظ وتوحيد معناهُ, ولو كانت الاستعارة التمثيليةُ تتوقَّف على تَعْدادِ اللفظ أو معناه لكان هذا الحدُّ مختلاً.

قال: فأجاب بأنَّ انتزاعَ كلٍّ من طرفي التشبيهِ من عدةِ أمور لا يوجِبُ تركُّبَهُ في نفسِه، بل يقتضي تعدُّدًا في مأْخّذِه.

وردَّ عليه بأن المشبَّه مثلاً إذا كان منتزعًا من أشياء متعددةٍ، فإما أن يُنْتزَعَ بتمامه من كل واحد منها، وذلك باطلٌ، لأنه إذا أخذ بتمامه من واحد منها كان أخْذُهُ مرَّةً ثانيةٍ من شيء آخرَ لغوًا، بل تحصيلاً للحاصل.

وإما أن يُنتزعَ من كل واحد منها بعضٌ منه، فيكون مركبًا بالضرورة، وأما أن لا يكون هناك لا هذا ولا ذاك، وهو أيضًا باطلٌ، إذ لا انتزاعَ حينئذ للمشبَّه منها أصلاً، فتعيَّن القِسْمُ الثاني ولزم المطلوب.


(١) تقدم ذكره.
(٢) (التلخيص) هو للقزويني. اختصر فيه كتاب مفتاح العلوم للسكاكي.
يقول السعد في شرحه على (التلخيص): إنّا لا نسلم أن التمثيل يستلزم التركيب, بل هو استعارة مبنية على التشبيه التمثيلي قد يكون طرفاه مفردَيْن كما في قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا}.
(المطوَّل) (ص٣٩٠ـ ٣٩١).