قال: وزعم بعضُ الناس أن الاستعارةَ ها هنا تبعيةٌ تمثيليةٌ: قال: أما كونها تبعيةً فلِجَرَيانها أولاً في متعلَّق معنى الحروفِ, وتبعيتُها في الحرف, وأما كونها تمثيليةً فلكون كل من طرفي التشبيهِ حالةً منتزعةً من عدَّة أمور.
واعترض عليه بأن انتزاعَ كلَّ طرفي التشبيه من أمور عدَّة يستلزم تركُّبَه من معان متعددةٍ. ولا شكَّ لأن متعلَّق معنى الحرفِ هو الاستعلاءُ, وإنه من المعاني المفردة كالضرب وأمثالِه, فلا يكون مُشَبَّهًا به في ذلك التشبيهِ سواءٌ كان جزءًا منه أو لا, فكيفَ يسري التشبيهُ والاستعارةُ منه إلى معنى الحرف! ومحصِّلة: أن معنى كون (على) استعارةً تبعيةً يستلزم كونَ معنى الاستعلاء مشبَّهًا به, وإنَّ ترُّكبَ الطرفين يستلزمُ أن لا يكون مشبهًا به, فلا يجتمعان. فإذا جُعلت (على) تبعيةً لم تكن تمثيليةً مركَّبة الطرفين, بل كانت استعارة ً في المفرد كما بيناه.
أقول: حاصل هذا الكلام دعوى أن الاستعلاءَ الذي هو معنى الحرف من المعاني المفردةِ, ثم دعوى أن ذلك يمنعُ من أن يكون مشبَّهًا به في التشبيه الذي يركَّبُ طرفاه, وذلك ممنوع, وبيان معنى هذا المنع هو أنا نطالبُك بالدليل على كون معنى الاستعلاء الذي هو معنى الحرف مفردًا, فإن العقل والحِسَّ واللغةَ والاصطلاحَ ليس فيها شيء يستفادُ منه ما ذكرت.
أما العقلُ: فإنه لا يمتنعُ عنده أن يكون معنى لفظ من الألفاظ المفردة متعددًا, وليس هذا مما يختلف العقلاءُ في صحته حتى يبرهنَ عليه, والقائم مقامَ المنع يكفيهِ هذا القيامُ في ذلك المقام.
وأما الحِسُّ: فكلُّ ذي حِسٍّ لا ينكر أن للاستعلاء الحاصلِ من مجموعِ راكب ومركوب وركوب [٤] هيئةً منتزعةً من أمور متعددة.