للاستعلاء كما شبَّه استعلاءَ المصلوبِ على الجذعِ باستقرار المظروفِ في الظرفِ بجامع الثباتِ، فاستُعيرَ له الحرفُ الموضوعُ للظرفية في قوله تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}. وإنما قال: ومعنى الاستعلاء دون معنى (على)، لان الاستعارة في الحروف تقع أولاً: في متعلَّق معناه كالاستعلاء والظرفيةِ والابتداء مثلاً، ثم تسري إليها بتبعيته.
وقوله (مَثَلٌ) تصويرٌ: إذِ المقصودُ في الاستعارةِ تصويرُ المشبه بصورة المشبَّهِ به إبرازًا لوجه الشَّبَهِ في جانب المشَّبهِ به في صورته, في جانب المشبه به مبالغةً في شأنه, كأنه هو, فإنك إذا قلت: رأيتُ أسدًا يرمي, فقد صورتَه في شجاعتِه بصورةِ الأسدِ وجُرْأَتِه, وإنما قدَّم تصويرَ التمكن والاستقرارِ ـ أعني: وجْهَ التشبيهِ ـ على تصوير التمسُّك ـ أي المشبَّه ـ لأنه المقصودُ الأصليُّ بالقياس إليه.
أقول: هكذا قال في حاشيته مفسِّرًا لكلام الزمخشري, شارحًا لمعناه. وحاصله: أن الاستعارة تبعيةٌ فقطْ, وهو وإن كان صحيحًا باعتبار معنى الحرف لكنه أهملَ بيانَ معنى قول الزمخشري: مَثَلٌ لتمكُّنهم من الهدى وأهمل أيضًا بيانَ معنى قوله: شُبِّهَتْ حالُهم بحالِ منِ اعتلَى الشيءَ وركبَه, وادَّعى أن معنى قوله مَثَلٌ هو مجرَّدُ التصويرِ, وهذه دعوى غيرُ مطابقةٍ لمصطلحِ أهل فنِّ البيان, فإنهم يستعملونَ هذا اللفظَ في الاستعارةِ التمثيليةِ كما تشهدُ به نصوصُهم في غير موضعٍ, لا سيما ما يقع من ذلك للزمخشري في الكشاف, هذا على فرض أن الزمخشريَّ لم يحققْ هذا المعنى ويوضِّحهُ, ويصرحْ به, فكيف وقد [٣] قال عقبه: شُبِّهَتْ حالُهم بال منِ اعتلى الشيء وركبه! فإنه لا يبقى بعد هذا شكٌّ أن مقصودَه بيانُ الاستعارة التمثيليةِ التي حكم على معنى الاستعلاء بها حيثُ قال: ومعنى الاستعلاء في قوله: {عَلَى هُدًى} مَثَلٌ لتمكُّنهم .. إلخ ومع كون هذا هو مصطلح أهل الفنِّ هو أيضًا مستفادٌ من دليل الاستقرارِ, ومن كلام السكاكي كما قاله العلوي في كلامه المتقدم, فلم يكن هاهنا موجبٌ لتحريفِ الكلامِ, وحَمْلِهِ على خلاف معناهُ, وإخراجه عن مدلوله اللغوي والاصطلاحي.